رهام فراش

قليل من السكر وكثير من الحب

الثلاثاء - 15 نوفمبر 2016

Tue - 15 Nov 2016

حين يمر عليك وقت تفقد فيه شهيتك تجاه كل شيء.. لا بأس استسلم ولا تقاوم اعتبرها «استراحة محارب».

ارحل واترك الفجر يقوم بالباقي أضف لقهوتك الصباحية قليلا من السكر وكثيرا من الحب مع رشة حلم وتأمل. وحقيقة نحن لا نعرف موعدا لبزوغ فجرنا إنما نتزين له كل يوم. فإذا ما أذنت الشمس بالإشراق انتحر الليل على أعتابها واستسلم القمر.



ومهما تكن مكتئبا فلا تعتزل الناس بالكامل لأن في مخالطة بعضهم سلوى لقلبك ونور حكمة يتخللك ورسائل مشفرة تحتاج لفكها إن تستعمل بصيرتك وحدسك!! قد يرسو مركبك على شاطئ أحدهم فتجري معه حوارا عابرا دون تخطيط مسبق فتقف على روعة وخير يملؤه ليفيض على أعتابك عبر بوحه أو صمته وربما مجرد ابتسامته فتجد ضالتك. تعيد حساباتك في تقييم البشر وتتراجع عن كثير من الأحكام الجاحدة المسبقة التي أطلقتها كنتيجة لتجارب فاشلة أو جارحة قاسية أو غير مكتملة.



قد يكون هذا الشخص نادل مطعم يفرح عندما تحييه بلغته وينصرف لخدمتك بتفان ويجعلك تحب المكان وتوصي أصدقاءك بتجربته ويترك انطباعا طيبا لباقي اليوم في نفسك.



أو مصففة شعر في صالون تجميل نسائي حديثة عهد بالإسلام ترى أنها ولدت للتو وعيناها تتراقصان فرحا إذا ما دعوتها لأداء العمرة واستضفتها في بيتك مع أسرتك كما كانوا قديما في مكة، عندما كان أهل البيت يصعدون للطابق العلوي تاركين الطوابق الأخرى للحجاج متبادلين معهم الثقافات من مأكل ومشرب فتنشأ بينهم روابط وعلاقات إنسانية لتصل للتراحم والتزاوج فيما بينهم. لذلك يفخر الحجازيون أن لائحة الطعام الخاصة بهم تضم أطباقا شرقية منوعة من بلدان مختلفة، ومعروف عنهم أنهم أكثر سماحة وقبولا للآخر وانفتاحا عليه، ويرجع ذلك للطبيعة التي ورثوها عن أجدادهم وآبائهم الذين كان أغلبهم مطوفين ويفخرون بخدمة حجاج بيت الله الحرام، وحين يرتب لك القدر هذا الموعد مع حديثة العهد بالإسلام الأخت الفلبينية تستشعر حجم نعمة جوار الحرمين التي حرمنا من التمتع بها مؤخرا ويقال إن (القرب حجاب)،ربما وأنت تسير مصادقا وحدتك تقع عينك على طفل في حديقة عامة ينسج لك حوارا كاملا متناغما عن حب الحياة بلا كلمات ولا صوت تقرأه فقط في شقاوته، براءته ولعبه، فرحه بأبسط الأشياء، تأرجحه بين السماء والأرض على مقعد خشبي يجعله في قمة السعادة وينتزع من ملامحه البريئة أجمل ابتسامة وأصدق عنوان للصفاء.



أو قد تجد ضالتك لدى سائق تاكسي يوصلك لمشوار قريب فيحكي لك عن فصول معاناته ورضاه وصبره والغريب عن قناعته المرتدية لباس خفة دمه أن الحياة جميلة بكل ما فيها وأنه راض بحب عن قدره خيره وشره. ربما تجدها لدى موظف جوازات في المطار ببشاشة يستقبلك رغم مرضه وسعاله! يبادرك بابتسامة نقية بسؤالك عن حالك. وقد تكون بائعة ملابس تشتري منها قطعة تخصك، فتجد لديها حكمة ونور بصيرة على مد بصرك! تجعلك وكأنك لأول مرة تنظر في المرآة لنفسك، تحببك في ذاتك رغم تضاريسها التي لا تكون متناسقة بالشكل المثالي، لكنها جزء منك عليك أن تحبها وتتقبلها ليتقبلك غيرك.



لا تعرف أين ومتى تلتقي شخصا يكنس بعض الهم من قلبك ويوصل لك رسالة مفادها أن الدنيا ما زالت بخير وأنك لست وحدك، ويعلمك أن تشكر وتحمد الخالق على هون مصابك إذا ما قارنته بغيرك! وتجد من الحكمة ضالتك.. وتتعلم دروسا ملونة كبستان زهر فيه من الأصناف ما يجعل اللوحة حياتك بهيجة نضرة تبتسم! ارحل واهد لنفسك تجربة مختلفة وانسج لها خيوطا من أشياء ملهمة ومميزة ترقع بها ثوب حزنك وتجعله صالحا للاستخدام ليدفئ برد روحك.. اعط الصباح فرصة لتغسل الشمس شرفة قلبك، تنفس موسيقى العصافير



ابق على نافذة بصيرتك مشرعة ودع الخير يتسلل منها عبر مخلوقات الله في الكون الواسع. امنح القمر تذكرة في الصف الأول ليحضر طقوس تأملك!

فنفوسنا بذور مطمورة في أرض طيبة يتناوب على سقايتها غيم سخي ساقه المولى لينبت غرس الخير الذي استودعه فينا.

وطول مقام المرء في الحي مخلق

لديباجتيه فاغترب تتجدد

فإني رأيت الشمس زيدت محبة

إلى الناس إذ ليست عليهم بسرمد

(أبو تمام).