مرزوق تنباك

المزاج العالمي يتغير

الثلاثاء - 15 نوفمبر 2016

Tue - 15 Nov 2016

عندما أصبح العالم قرية واحدة أو مدينة واحدة صار لا بد أن يكون لهذه القرية سياق عام ومشتركات كثيرة في كل الشؤون التي هي عماد ما تحتاجه الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولها ما للمدن من الهيئات والمؤسسات ونظامها العالمي وقانونها المعتبر الذي يعترف به الناس كافة، قانون ينادي به الجميع ويحترمه أكثرهم، وإن لم يكن منسجما كل الانسجام ولا متطابقا كل التطابق مع ما يريد السكان وما يتبعه كل حي من أحياء القرية الكونية، إلا أن له خطوطا مشتركة يتعاملون بها ويحترمونها ويلتزمون باتباعها على كل الأحوال.



وبغض النظر عن موقع كل حي فيها وأهميته بالنسبة للجميع فهناك إرادة قوية تجعل التوافق مهما لا بد منه. صحيح أنه قد يسمح لكل حي بإدارة شؤونه الخاصة والتصرف في أموره ضمن منظومة تعمل لاستقرار الأمن واتباع سبل السلامة، والبعد عن كل ما يعكر صفاء العلاقات المتبادلة بين الشعوب والأمم والجماعات، ولكن شرط ذلك السماح ألا تضر تصرفات الفرد وحريته الشخصية بمصالح أهل القرية الكونية ولا يسبب لهم كثيرا من الإزعاج في مدينتهم الفاضلة وحياتهم المشتركة، وشروط الالتزام المقبول عند السكان يحتاج إلى صبر ودربة طويلة، وأن تنتظم رغباتهم ومطامحهم في السياق العام وألا يكونوا نشازا في المجتمع المثالي الذي يسعى إليه العالم.



وكالحال في كل مجتمع لا يخلو من أن يكون فيه مجرمون وخارجون على القانون ومشاغبون، ويكون فيه الأقوياء المسيطرون الغالبون، والضعفاء المغلوبون على أمرهم، والمتلونون بطبيعتهم أو بسبب ضغط يجدونه ممن هو أكبر منهم، وأقدر على تطويعهم والأخذ على أيديهم وتأديبهم وتقليل المخاطر التي يسببها هؤلاء للكون كله، وقد زعم الأقوياء أنه كثر في العالم الخارجون عن القانون والمشاغبون فيه، ومن سوء الحظ أن نصيب الشعوب الإسلامية بعامة والعربية بخاصة من المشاغبين الذين يخرقون القانون الدولي كثير كما زعموا.



وهم يخلون بالأمن وسيئو السلوك العام مما يعد منغصا للحياة وخارجا على إجماع أغلب سكان هذه القرية المعمورة، فشقي الناس بتصرفاتهم وضاقوا ذرعا بما يقع منهم ولم يجد الأقوياء بدا من تأديبهم والتعامل معهم بالإنذار مرة والإعذار مرات كثيرة وإرسال الرسائل التي لم يحسن المشاغبون قراءتها قراءة صحيحة فيمعنون في غيهم ويسيرون عكس تيار العالم الذي يراقبهم ويريد الخلاص من شرورهم حتى يضطر في النهاية إلى هدم معبدهم المقدس مهما كان الثمن.

هدمت أمريكا معبد صدام حسين على من فيه بعد أن قرأ كل الرسائل التي وجهها الأقوياء إليه قراءات مغلوطة، وأباحت العراق ودمرت مؤسسات الدولة وتركته نهبا للفتن ومجالا للعصابات والحروب الطائفية والثارات التي أضاعت الدولة والمجتمع، وامتد شرر فتنته إلى مجاوريه فجر على نفسه وعلى من حوله ويلات كثيرة لم تتخلص المنطقة من آثارها وتبعات ما ترتب عليها إلى اليوم وما زال كذلك.



ومثل ذلك فعل الناتو مع القذافي وجماهيريته حين لم يفهم بسرعة ممكنة وبالوقت المناسب ما كان مطلوبا منه، فعاقبه عقابا قاسيا على كل تاريخه الماضي وترك ليبيا بلا دولة ولا قانون ولم يشفع له استسلامه في آخر لحظة، ولم يكن الموقف من الشام واليمن والصومال وغيرها من بؤر النزاع بأفضل حالا، حققت التدخلات الخارجية فوضى عارمة في المنطقة وفتنة لم ينطفئ حريقها الملتهب حتى نال شرها الجميع ولم يسلم منها حتى الذين أشعلوها، وكان لتدخلهم السافر في العراق وليبيا والخفي في بقية المنطقة أثر كبير فيما آلت إليه الأوضاع العامة.



هذا ما حدث فما الذي بقي؟ بقي أن المزاج العالمي لم يعد قادرا على المزيد من العبث الذي تمارسه بعض الجماعات والعصابات، وحتى أشباه الدول في المحيط العربي والإسلامي. وبقي أن يدرك الدرس من لم تصل إليه عصا التأديب العالمية، وبقي أن النظام العالمي تغير مزاجه ونظرته للأمور ولم يعد كما كان من قبل، ولعل اختيار أمريكا للرئيس الجديد بأغلبية ساحقة، وهو مثار جدل في تصرفاته وفي آرائه، وفي ماضيه وحتى في خطبه وبرنامجه الانتخابي، يدل على مدى التغيير الذي يريده الشعب الأمريكي والقابلية للتطرف ليس في أمريكا فحسب بل في العالم كله.



[email protected]