محمد الحاجي

5 دروس شخصية من انتصار ترامب

الاثنين - 14 نوفمبر 2016

Mon - 14 Nov 2016

حسنا، قضي الأمر وأصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. هذه «البجعة السوداء» لها تبعات سياسية بالتأكيد، ولكن بعيدا عن ذلك، ثمة دروس تستحق التأمل:



الأمور دوما نسبية



كم من شخص فرك رأسه مستهجنا ومستغربا من أن هناك من صوت لعنصري بغيض عديم الخبرة سياسيا ليصبح رئيس أقوى اقتصادات العالم وأعتى جيوش الأرض؟



استنكرنا ذلك كثيرا، ولكننا قصيرو النظر كذلك. في مقالة طويلة بعنوان «لا، أنصار ترامب ليسوا همجا»، يستعرض أحد علماء النفس أن المصوتين لترامب يجسدون المنهج الاقتصادي الكلاسيكي في البحث وراء أكبر قدر من المنفعة الشخصية. فعندما يعلن ترامب أن من أهم خططه بناء جدار على الحدود المكسيكية ليوقف تدفق العمالة الرخيصة القادمة من هناك، فذلك أمر قد يبدو عنصريا لي ولك، ولكن للشاب الأمريكي العاطل الذي يحمل شهادة الثانوية، فإن هذا الاقتراح يزيد من فرصه للحصول على وظيفة. عندما يعلن ترامب بأن المسلمين مصدر شرور وإرهاب، وأنه سيمنع دخول اللاجئين، فإن السبعيني الأبيض في ريف أركانسا يجد ذلك أمانا له. هذه النسبية الاجتماعية هي التي ساقت فئات كثيرة من المجتمع الأمريكي لاختيار ترامب رئيسا لهم، رغم قبح هذه الدعاوى أخلاقيا.



العلم يبقى ناقصا



كل التنبؤات والاحتمالات والدلالات الإحصائية كانت تشير إلى أن هيلاري ستتزعم الرئاسة بنسبة 70-99%! ثبتت هذه الأرقام طيلة الشهور إلى أن تهدمت في صناديق الاقتراع! تعد القدرة على التنبؤ أهم أركان المنهج العلمي الحديث. نعم، هذا التنبؤ يقارب اليقين في العلوم الطبيعية، ولكن سرعان ما يتلاشى ضعفا أمام تعقيدات السلوك البشري والاجتماعي. هذه الاحتمالات ضللت الرأي العام كثيرا، فالكثير من أنصار هيلاري ـ أو خصوم ترامب ـ اعتمد عليها وتكاسل عن التصويت في التاسع من نوفمبر. العلوم الاجتماعية وإن كانت تستند على نظريات ومناهج بحثية رصينة، إلا أن الإنسان يبقى وحدة قياسها، وهو العنصر الأعقد والأشرس ضد القياس.



الجودة تهزم الكمية



بحسب الإحصاءات الأخيرة، فإن مرشحة الديمقراطيين هيلاري كلينتون صرفت ما يقارب 1.3 مليار دولار على حملتها الانتخابية، أما المنتصر بأمر النواب ترامب فكانت ميزانيته أقل من نصف ذلك! تمكنت هيلاري من السيطرة التامة على وسائل الإعلام واستمالت زعماء المال والأعمال. كانت فيروسية في انتشارها حتى اقتربت صورتها التمجيدية لشخصية المبشر والمنقذ، تماما كما يحدث في الدول الشمولية. لم يكن ينفعها كل ذلك. عرفنا الآن أن المرشح الآخر ترامب كان أكثر حكمة في توجيه رسائله، اختار جمهوره بعناية، وصرف دولاره بحذاقة. عرف تماما أين يتحدث ولمن يتحدث. ليس العبرة في كمية الموارد ولا في مدى الضوضاء، ولكن بقدر فعاليتها في صنع الفارق. كما يقولون: لا تعمل كثيرا ولكن اعمل بذكاء.



البساطة تنفذ بسهولة



قرأت الكثير من التحليلات السياسية والنفسية بعد ظهور النتائج. كانت هناك ثيمة ثابتة في تفسير ما حدث. استطاع ترامب بلغته البسيطة ومفرداته الشوارعية أن ينفذ إلى ذهنية الفئات الأكثر حرمانا. فبينما كانت هيلاري تتحدث عن الاحتباس الحراري وتسرد إنجازاتها السياسية، كان ترامب مشغولا في كراجات مينيسوتا يعد الأهالي بإعادة الوظائف المختطفة بسبب الاتفاقيات الدولية. حرص ترامب على إيصال هذه الرسالة الحالمة تحديدا للولايات الأكثر تضررا من هذه الاتفاقيات والتي عانت اقتصاديا وحضاريا حتى أطلق عليها حزام الصدأ (ميتشجن، أوهايو، بنسلفينيا، ويسكونسن)، وبالفعل حاز ترامب أغلبية أصوات الطبقة البيضاء العاملة وغير المتعلمة والريفية. هذه الأصوات قلبت الطاولة تماما وصبغت خرائط باللون الجمهوري الأحمر بعدما كانت زرقاء لسنين.



الخواتيم دائما أوضح



أرأيتم كيف استطعت أنا وغيري من التحذلق والتمنطق الآن وكأن فوز ترامب كان بدهيا؟ بالطبع الآن وقد انجلت الغبرة فإننا نرى المشهد أكثر وضوحا، وقد نلوم أنفسنا كيف كنا أغبياء ولم نلتفت لهذه «الحقائق»!



في الحقيقة، نحن لم نصل لهذا الإدراك والفهم إلا متأخرا بعد انكشاف النتائج. أما سابقا فكانت لدينا معطيات مختلفة وبناء عليها استشرفنا المستقبل. وهذا ما يحدث كثيرا في مجريات الحياة، نعنف أنفسنا كثيرا لأننا لم نتنبه للبدهيات، لا لم تكن بدهيات، الآن فقط أصبحت كذلك. فلا لوم ولا بأس.



1 الأمور دوما نسبية

2 العلم يبقى ناقصا

3 الجودة تهزم الكمية

4 البساطة تنفذ بسهولة

5 الخواتيم دائما أوضح