عبدالله الجنيد

بين الوثيقة والمنامة

الاثنين - 14 نوفمبر 2016

Mon - 14 Nov 2016

أزمة الهوية التي يعاني منها يسار وقوميو البحرين بلغت مرحلة استعصت على كل ذي عقل، وللتدليل على ذلك الواقع أسوق إليكم تصريحا نقلا عن جريدة الوسط البحرينية المنشور في عددها الصادر بتاريخ 23 أكتوبر الماضي هذا نصه «قال الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، رضي الموسوي، إن جمعيات التيار الديمقراطي (وعد، التقدمي، القومي)، استقرت على أن الحكومة المنتخبة لا تصلح للبحرين اليوم».



ذلك التصريح اعتبره الجميع تأكيدا عن نية صادقة لتصحيح مسارات الأمس، خصوصا بعد الإعلان عن التيار الديمقراطي، بل الواجب أن يوصف القرار بالشجاع والواقعي لمعالجة إرث الأزمة. إلا أن مخرجات المؤتمر العام لجمعية وعد سرعان ما أعاد الجميع للمربع الأول بعد تنصله من تصريح أمينها العام المنقضية ولايته رضي الموسوي ومؤكدا تمسكها بوثيقة المنامة التي بيعت فيه المنامة.



السياسة فِناء بألف باب إلا أن ائتلاف التيار الديمقراطي فقد القدرة على التخارج من إرث الأزمة التي استثمرت فيه كل رصيدها الوطني في خدمة مشروع طائفي. بل بات الإرهاب والتهديدات الإيرانية للبحرين وعموم الخليج العربي من وجهة نظرهم نتاج حالة نفسية يعيشها موالو النظام، وبيانات الاستحياء حولها تصدر لتودع الارشيفات.



أما بيانات الإذعان لجمعية الوفاق فكان يصدح بها من على رؤوس الأشهاد. فاليسار البحريني المرتمي في حضن الفاشية الإيرانية ليس بأحسن حالا من باقي اليسار العربي الذي شابه حالة أبوعبدالله في هذه الطرفة التي بعث لي بها صديق. فبعد غياب تجاوز الشهر ذهب أبوعبدالله لزيارة صديقه فسأله أبوأحمد عن سبب الغيبة، فأخبره أنه كان في السجن بتهمة الاغتصاب. فهال الصديق الخبر ورد معلقا «وهل هناك حمار (أعزكم الله) يصدق أنك تسطيع اغتصاب أحد وأنت بالكاد تستطيع العطس».



فجاء رد أبوعبدالله متناغما ليقول «هذا بالضبط سبب إصدار القاضي حكمه بسجني شهرا عقابا لي بتهمة تضليل العدالة بعد اعترافي كذبا بتلك الجريمة». هنا اغتاظ أبوأحمد «وما الذي حملك على الاعتراف أساسا». فرد صديقه «بالله عليك فيه أحد يفوت فرصة يتهم فيها بهذه التهمة فأضيع نظرة الإعجاب بفحولتي وأنا في هذا العمر».



هذا تماما ما حدث مع اليسار والقوميين بانضوائهم تحت أجنحة إيران عبر منتجاتها المحلية فقط لنيل شرف المشاركة «بثورة» حتى وإن كانت عبثية فقط لإثبات فحولتهم السياسية.



أما أمر الإحساس بالمسؤولية السياسية وطنيا فذلك أمر مرحل، وكذلك نتائجها الكارثية اجتماعيا قبل السياسية والتي ستحتاج لعقود لمعالجة رواسبها. فالمصداقية الوطنية في حدودها الطائفية قابلة للتوظيف السياسي ومقدمة على المسؤولية السياسية وطنيا. وبمراجعة سريعة للذاكرة السياسية القصيرة جدا سنجد أن تراجع جمعية وعد عن تصريحات الموسوي قد سبقها في ذلك المنبر التقدمي والقومي بعد طرح مراجعات ووعود بالتصحيح سرعان ما تراجعت عنها كجزء من ولاءات القيادة لجمعية الوفاق. فإن كان موقع المسؤولية الوطنية معطلا لحساب الديمغواجية الشعوبية فإن هذا التيار قد أفلس وطنيا وسياسيا. وإن كان أمر قواعدهم هو كل ما يعنيهم فلماذا لم تتحول إلى جمعيات دينية مذهبية أو طائفية كما هو واقع البحرين، واستبدال مصطلح «رفيق» بـ «شيخ» وللجانها المركزية أو القطرية اختيار ألوان العمائم والبشوت. هذا اليسار لا يستحق غير الازدراء بكل الأشكال والألوان لتخليه عن الجدلية العقلانية والانقياد خلف أيديولوجية عبثية طائفية.



تلاشي بصيص الأمل من هذا الائتلاف الجديد يذكرنا بالمثل المصري «يموت الزمار وأصابعه بتلعب». فاليسار البحريني بلغ مرحلة من الإدمان على مزمار الحراك الطائفي لدرجة أفقدته حتى آخر مسوح هويته، والبحرين ستتجاوز إرث الأزمة الانقلابية ولن تلتفت إلى الوراء في مراجعة ما تجاوز عنه التاريخ متمسكة بوطن يتجاوز الطوائف لا وثيقة الخيانة. فإن كان كل ما يملكه يسار وقومجيو البحرين من مشروع مستقبلي هو تلك الوثيقة فأنتم أول من فرط فيها لتعيدوا صياغتها في شكل قميص عثمان جديد.



[email protected]