شاهر النهاري

حسرات عربية لانتخابات أمريكية

الجمعة - 11 نوفمبر 2016

Fri - 11 Nov 2016

كانت الانتخابات الأمريكية الأخيرة بين كلينتون وترامب عالمية المستوى، طاغية على ضجيج أصوات الحروب والفتن، التي تشارك فيها معظم الدول العظمى، مبدعة في القتل والهدم في ساحات الوهن العربي، الذي نعيش ضمنه، ولا حيلة لنا في تغيير ما فيه من ترد يستمر، ويحرق قلوبنا وأمنياتنا بأمن نتمنى عودته من منفاه.



سنة سبقت الانتخابات النهائية وكان لنا فيها توجه شعبي يقاد بإعلام عربي موجه يشعرنا بأننا نحن أمريكا، وأن معرفتنا بأدق التفاصيل، وبما قد لا يعرفه الأمريكي، أمر حتمي لتأمين مستقبلنا!



إعلامنا قام بتسخير قواه لاستشفاف محاور وأسس ودقائق وشبهات، ومعوقات، وتخمينات، ومقومات هذه الانتخابات، بحيث أصبحنا نحمل من ثقافة الانتخابات أكثر بكثير ممن تربوا عليها في دولهم.

العربي معذور، فهو يعيش في أجواء محمومة بالخوف والتقصير، والشك، والخيانات، والسياسة، المعتلة المسار؛ وقد حق له البحث، ولو في خياله، عما يجب، وما لا يجب في عمليات الانتخاب الأمريكية؛ فيقينه أنها حياته الحقيقية، وعليه استغلال هذه التجربة المثالية.



وحتى لو وجد مسمى ديمقراطية في بلده، فإنه يخوضها تحصيل حاصل، باعتبار أنه يدرك أن الصور الخارجية مهما تجملت إلا أن جوفها يظل صوانا بلا قلب، وأن عكس ما يراه هو ما يحدث في الدهاليز السياسية والحزبية في بلده، حيث تسود التبعية والسيطرة القمعية مهما تلبست بالديمقراطية والعدالة.

مسكين هذا العربي، فكم يعول على الانتخابات الأمريكية، وما ستؤول إليه نتائجها على بلده، وعلى حريته بالهجرة إلى أوطان يزرع فيها بيادر أحلامه، حتى ولو كان يفعلها بقدم للأمام وأخرى للخلف، طمعا في جنسية ثانية تنتشله حين السقوط، وتحميه عند الخوف، وتنصفه عند ميل موازين العدالة.



العربي حفظ كل شيء عن المرشحين الأمريكيين، نفسياتهم، توجهاتهم، أفكارهم، وخططهم المستقبلية للدولة الأمريكية، وللعالم برمته، وهو يجهل من يقوم بوظيفة المجلس البلدي في حيه، وكيف تم اختياره، وما هي خططه المستقبلية.



المواطن العربي تعمق في معرفة طبيعة ومزاج وتوجهات أفراد أسرته، ومزايا شخصياتهم، وقدر تأثيرهم في مستقبل المرشح، وتبعاتهم على مساره، وجودة أدائه؛ وهو عندما يذهب لينتخب في بلده، يجهل تماما من وكيف تكون عليه حقيقة المرشح، ولكنه ينتخب، مع علمه الأكيد بأن التزوير ممكن، وأن مقلب الفساد الجديد قريب عظيم.



معذب هذا الإنسان العربي، فحتى بيت الرئاسة الأبيض عرف زواياه، وأسماء غرفه، وبلكوناته، وأشكالها، وديكوراتها، وكيف ستعاد صيانة كل باب ونافذة فيه؛ وهو لا يعرف أين يسكن حاكم دولته!



مسكين هذا العربي، فكم يفرح لفوز مرشح أمريكي، ويحزن لهزيمة آخر، وكم يشغل جل أوقاته بالتفكير، والتخطيط، والتنظير، والمشاجرة مع من يعيش معهم، ومن يجادلهم في مواقع التواصل، ليثبت حسن رؤيته للمستقبل، وأنه خبير متمكن من خبايا سياسة أمريكا، وعلى النقيض فهو يجهل سياسية رغيف خبزه، وأمنه في داره.



مسكين هذا العربي، فإما أن ينخرط في أفراح فوز مرشحه الأمريكي الأفضل، وينطلق معه في رحلة الثقة والوفاق بما سيعمله مستقبلا، وإما أن يكتئب لفوز المرشح المنافس، والبدء في رحلة اللوم، وتذكير من حوله بما كان يقول، واللطم على طول مدى ولاية المرشح الحالية والقادمة.



[email protected]