التنوير.. والبيئة التعليمية

الخميس - 10 نوفمبر 2016

Thu - 10 Nov 2016

كيف تحدد ثقافة المجتمعات والشعوب؟ وكيف تقاس معايير التنوير عقلا ومنطقا في البيئة التعليمية؟ السؤال الأخير مرتبط بالأول ارتباطا محوريا، يجعله في حين جوابا له وفي حين آخر يجعله سؤالا معلقا يحتاج جوابا منطقيا وموضوعيا، كما هو في صيغته المدرجة. إن ارتباط ثقافة المجتمعات بالبيئة التعليمية أمر لا غبار عليه، بل إن البيئة التعليمية تحدد ومن ثم ترسم ثقافة المجتمع، فهي عبارة عن هيكلة لتوجهات الناشئ فكريا وتنمويا (development ecnomy).



من هنا، يكون التعليم بمؤسساته وكوادره وإداراته - أمام - تجليات واضحة، مسؤولا مسؤولية كلية عن سؤال جديد، ألا وهو، كيف ينشأ ناشئ الفتيان فينا؟ نعم، كيف ينشأ الناشئ فكريا وثقافيا؟ وكيف ينشأ مع متغيرات العصر ومعطياته؟ وكيف يفهم لغة العصر المعاصرة للزمن التي لا تقبل بأي حال من الأحوال ترجمة الكلمات التي تحتوي مفرداتها على تصنيفات فكرية أو مذهبية أو عرقية أو مناطقية؟.



إن الإجابة على تلك الأسئلة تكمن في النظر والتمحيص للمجتمعات المتقدمة التي خاضت تجارب الويل والهلاك والدمار في عصور الظلام/ العصور الوسطى، وبعد هذه التجارب أدركت خطورة مواقفها لتذعن خاضعة لرايات السلام مكرسة المواطنة والاشتراكيات بين كافة أطياف مجتمعاتها بطوائفها ومذاهبها وألوانها وأشكالها.. وهذا بلا شك، بعد إعادة وترتيب هيكلة بنية بيئاتها التعليمية والثقافية وجعلها محيطة بالنشء - محيطا - ينشأ من خلاله الناشئ بوعي يعي تماما أن ما لله لله وما لقيصر لقيصر.



حقيقة، لا أفهم ما يجري في وزارة التعليم عندما طالبت إداراتها بتحصين الطلاب والطالبات من (الليبرالية)! وتصنيفها من ضمن التيارات التي تهدد الأمن الفكري لهم، ناسية أو متناسية أنها تحتوي (برنامج الابتعاث) الذي يقوم بابتعاث أغلب مستفيديه إلى (مجتمعات ليبرالية)! إن أشد الغرابة والمعضلة التي من خلالها مفارقات أن المبتعثين عندما يتم ابتعاثهم بعد حين إلى الغرب الليبرالي سيكون المرجع الرئيسي لهم – الوزارة! الوزارة التي طالبتهم أن يتحصنوا من الفكر الليبرالي!



كيف يكون ذلك؟! وكيف سيقطف الطالب ثمرة الابتعاث التي تغرب من أجلها؟ وهو مكره مطالب بتحصين فكره من الفكر الذي يتفق العالم على خبراته وعلمه وإبداعاته؟! نحن لا نشيد بالليبرالية أو العلمانية، ولكن العقل والمنطق، أن يكون التعليم مكرسا لمبادئ الاشتراكيات الفكرية والتعددات الثقافية، ليكون الناشئ منشغلا بالإبداع والإنتاج بدلا من الانشغال بالبشر في تصنيفات فكرية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل إن تلك التصنيفات لها أثر كبير في خلق أجواء الكراهيات بين الأجيال، وهذا يعكس فاعلية البيئة التعليمية الحاضنة لمبادئ التعايش والمواطنة بين كافة شرائح المجتمع، بعيدا عن أي انتماءات أو تصنيفات فكرية، ما يهم هنا، هو أن يكون التعليم بجميع كوادره - مركزا - على الأهداف التي بجذورها يتم تنمية العقول، لتحصد ويقطف منها ثمرات الاكتشاف التي لا تثمر إلا في البيئات التعليمية ذات الطابع المدني.