قرية صغيرة لم يعرف أهلها التمدن

الأربعاء - 09 نوفمبر 2016

Wed - 09 Nov 2016

مما يروى أن قرية صغيرة لم يعرف أهلها التمدن قط، كانوا يسمعون القصص والحكايات العجيبة عن الحياة المتحضرة في مدينة لا تبعد عنهم كثيرا، كان أهل تلك القرية يريدون أن يعرفوا حقيقة ما يسمعون عنه طوال الوقت، وفي أحد الأيام سافر رجلان من القرية إلى المدينة لقضاء بعض شؤونهما، غاب الرجلان فترة من الزمن ثم عاد أحدهما، التف أهل القرية حوله وسألوه: كيف وجدت المدينة وأهلها؟!



أجاب الرجل: إن المدينة مرتع للفساد وكل أهلها فاسدون!



عرف أهل القرية الإجابة التي طالما انتظروها طويلا، فانفضوا من حول الرجل، وذهب كل واحد منهم إلى عمله وشأنه.



وبعد أيام عدة، عاد الرجل الثاني الذي كان قد سافر - أيضا - إلى المدينة، ولم يهتم أهل القرية بسؤاله عن المدينة في بداية الأمر، لأنهم سمعوا ذلك من الرجل الأول، إلا أن أهل القرية سرعان ما تجمعوا حول الرجل عندما انتشر في القرية أن الرجل لديه رأي مختلف عن المدينة!



سأل أهل القرية الرجل الثاني عن رأيه في المدينة وأهلها، فقال: إن المدينة مليئة بالمساجد وكل أهلها متدينون، وصادقون، وكرماء!



أصيب أهل القرية بالارتباك والذهول، هل المدينة سيئة، أم جيدة، وهل أهلها أخيار أم أشرار؟!



كان أهل القرية على يقين أن لا أحد يمكنه أن يجيب عن تلك الأسئلة سوى رجل حكيم من أهل القرية، كان ذلك الرجل الحكيم شيخا كبيرا، قد جرب الحياة واختبرها، وعرف الكثير من أسرارها، يثق جميع أهل القرية في رأيه، فذهبوا إليه، وأخبروه بالقصة، وسألوه: أحد الرجلين قال إن المدينة فاسدة، ومليئة بالأشرار، أما الآخر فقال إنها مدينة فاضلة، مليئة بالأخيار، أي منهما نصدق؟!



أجاب الرجل الحكيم: كلاهما صادق!.. وحين رأى نظرات الحيرة على وجوههم، استطرد قائلا:

الرجل الأول لا أخلاق له، لذا ذهب إلى أقرب حانة حين وصل إلى المدينة، فوجدها مليئة بالناس...! بينما الرجل الآخر متدين وصالح، لذا ذهب إلى المسجد وحين وصل إلى المدينة، فوجده ممتلئا بالناس..! وأضاف كلا الرجلين عبر عما يراه في داخله.



أخيرا..

من يرى الخير فهو لا يرى إلا ما في داخل نفسه، ومن يرى الشر فهو لا يرى إلا ما في داخل نفسه أيضا!



كل منا ينظر إلى الآخرين من خلال خبراته وتجاربه الشخصية، وما نكونه من آراء تجاه الآخرين ما هو إلا انعكاس لصورتنا الداخلية، لذلك عامل الناس بما رأيته منهم، ولا تعاملهم بما سمعته عنهم!



الكثير من الأشخاص لا يستوعبون فكرة أن للحقيقة دائما أكثر من وجه، فحين نختلف في الرأي تجاه موضوع أو قضية معينة، لا يعني هذا أن أحدنا على خطأ، فقد يكون كلانا على صواب، لكن كلا منا يرى ما لا يراه الآخر...!!