شاهر النهاري

أول صحيفة تنزع ثوبها الورقي!

الثلاثاء - 08 نوفمبر 2016

Tue - 08 Nov 2016

لم يعد خافيا على أحد تفاقم التحديات التي تواجه الصحف الورقية، فبعد أن كانت بعض الصحف السعودية تصدر بطبعات عدة يومية - وبأعداد أوراق أكبر بكثير من المحتوى الثقافي فيها، حتى تستوعب كمية الإعلانات التجارية والشخصية، التي تنهال عليها مهما ارتفع سعر الإعلان - أصبحت اليوم تصدر بأعداد قليلة وهي ناحلة القد، مصابة بالهزال من قلة الإعلانات، وربما تذهب إلى مواقع التوزيع، وتعود أكثرية أعدادها دون أن تمس، إلا من قارئ بخيل يتصفحها على الواقف، ثم يعيدها إلى مكانها دون أن يدفع ثمنها.



العالم الرقمي يكتسح الوجود الثقافي، وأصبح القارئ الواعي يجد جميع ما يكتب ويصور ويعلق عليه في شاشة هاتفه، وبما يجعل منظر من يقرأ صحيفة ورقية يستحق التوقف، والدهشة من أجيال لم تتعود مسك صحيفة.



أضف إلى ذلك ما كانت تقوم به الجهات الحكومية، والجهات الخاصة من عمل اشتراكات سنوية لبعض الصحف، مما يرفع أعداد النسخ، ويؤكد على بقاء الصحافة الورقية؛ ولكن وتماشيا مع حالات التقشف، وربط الأحزمة، تقلصت الاشتراكات، وأصبحت أثمانها رغم عظم التخفيضات لا تصرف بشكل منتظم للصحف، مما جعل المأساة تتعاظم، وتصبح قضية مصيرية يصعب تخطيها.



الكثير من الصحف تنكر وجود المشكلة، وتحاول العمل، وكأن شيئا لم يكن.



والبعض منها يحاول تغيير وضعه، فيعمد إلى تطوير موقعه الالكتروني، وتحويل مفهومه إلى ما يشبه القناة الفضائية العاجلة، والاعتماد على اشتراكات هاتفية يتم بثها بكل خبر عاجل، وبكل ما يستدعي التنبيه للمشاركين.



كما قامت بعض الصحف بتطوير خصائص موقعها الالكتروني، وتأكيد نتاجه المستديم على مدى الـ24 ساعة، ليصبح علامة ثقافية فارقة، وليجذب المعلنين ولو على شكل إعلانات الكترونية بسيطة.

حرب مع التغيير وتحد مع التقنية، ومرحلة انتقال عسيرة على الجميع، ولكن البعض يبدع في التأقلم، والبعض يعاند، والآخر يستمر في البكاء واللطم.



القضية ليست خاصة بالصحافة السعودية، حيث إنها تبرز في كل أصقاع الأرض، وقد تمكنت بعض المؤسسات الصحفية العالمية من تخطي تلك المرحلة، وربما لو قامت صحفنا بالتواصل مع تلك المؤسسات، فإن الخبرة والمعرفة والتميز تكون متداركة.





كل صحيفة لا بد لها من رؤية خاصة، ومن عملية تحول سريع، ونزع لثياب الورق، وارتداء كامل لشفافية شاشات البريق.



عملية تحول يفرضها الواقع في الفكر، وتحول في نوعية الموظفين، وتقليص المباني، والمستودعات، والمطابع، وتطوير الدعايات والإعلانات للخروج من الأزمة بطريقة سليمة.



هذا هو التحدي الذي نتوقع من صحفنا السعودية التسابق فيه، ونتوقع أن نرى الصحيفة الأولى التي تخلع ملابسها الورقية كاملة، فلا يتبقى منها إلا أعداد بسيطة، للذكرى، والتواجد، بينما تنطلق مع الزمن القادم، في رحلة من البريق، والتطور، وفهم المرحلة، والتأقلم مع معطيات الجيل.



وكم سيكون ذلك جميلا بأن لا نشعر بأن ما يحدث لتلك الصحيفة تراجع للخلف، وتقليص للإمكانيات، وخروج من السباق، بقدر ما يكون تزعما للثورة الجديدة، وقيادة لغيرها من الصحف الورقية المحلية، والتي ستستمر، وتجد المخارج، والموارد، والوجود، مهما كانت الحالة الجديدة.



سباق سيجعلنا نتحمس، ونشجع، ونصفق لمن يصل إلى نهايته وفي يده كأس سبق ثمين.



[email protected]