محمد مراد علي رضا

أول سيدة رئيسة لأمريكا

الاثنين - 07 نوفمبر 2016

Mon - 07 Nov 2016

كنت ولا زلت متأكدا، ولكن بمشيئة الله، من فوز السيدة هيلاري كلينتون بالرئاسة الأمريكية، لتصبح أول سيدة في تاريخ أمريكا كله تفوز بلقب رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية، بعد تمتعها بلقب السيدة الأولى حين كانت زوجة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وذلك لاعتبارات عديدة تخولها الفوز، إضافة لاعتبارات عديدة أخرى يفتقدها خصمها الجمهوري دونالد ترامب تحرمه من التطلع للفوز.



ولكن فاجأتني الأحداث واستطلاعات الرأي، كما فاجأت كثيرين من المراقبين السياسيين بالتقدم الكبير لدونالد ترامب وتقليصه للفارق الذي كان كبيرا بينه وبينها. وعلى الرغم من تقليص الفارق بين الاثنين إلا أنها لا تزال تتقدم ترامب في مجمل الأصوات الشعبية، كما تتقدمه (وهو الأهم) في أصوات (المجمع الانتخابي).



وقبل أن أعدد الأسباب أو المزايا التي تتمتع بها السيدة كلينتون والتي ستؤهلها للفوز بالرئاسة، ثم الأسباب والإخفاقات التي تحيط بترامب، يجب علي أن أوضح الحالة الأمريكية (الخاصة) بانتخابات رئاستها، وهي حالة فريدة ومختلفة عن جميع الانتخابات الرئاسية في جميع دول العالم، وشرح ماهية (المجمع الانتخابي) أو (الالكتروال كولج).



فالرئيس (ومعه نائبه الذي يختاره هو شخصيا) لا ينتخب مباشرة من الشعب الأمريكي (كوحدة واحدة) مثل الدول الأوروبية مثلا، ولكن ينتخب مباشرة من شعب كل ولاية من الولايات الخمسين (كل على حدة)، وكل ولاية لها اثنان من الشيوخ (سيناتورز)، إضافة إلى عدد من النواب يتماثل طرديا مع نسبة سكانها.



فأكبر ولاية مثلا وأكثرها سكانا وهي كاليفورنيا لها 52 نائبا في مجلس النواب، وشيخان في مجلس الشيوخ (وهما المجلسان المكونان للكونجرس الأمريكي)، أي إن لكاليفورنيا 54 عضو كونجرس، وكل عضو كونجرس له صوت انتخابي واحد.



وعند التصويت توزع أصوات الناخبين من شعب الولاية حسب أعضاء الكونجرس لهذه الولاية. فإذا فاز مرشح ما مثلا بأكثر من نصف أصوات شعب ولاية كاليفورنيا ولو بقليل فالمفروض أن يأخذ 28 صوتا انتخابيا ويأخذ منافسه 26 صوتا (لكاليفورنيا 54 صوتا)، ولكن يحدث هذا في علم الحساب وربما المنطق، ولكن حسب النظام الانتخابي الأمريكي فإنه يفوز بالـ 54 صوتا انتخابيا كلها، لأن من يفز بأكثر من النصف يأخذ جميع الأصوات الانتخابية للولاية، مثل الذي يتحصل على أكثر من نصف أصوات الشعب كله في أي دولة أوروبية مثلا فيفوز بالرئاسة،ولذلك يركز المرشحون على الولايات الكبيرة ذات الأصوات الانتخابية الأكثر ليضمنوا حصولهم على 270 صوتا انتخابيا على الأقل، وهو أكثر بصوت واحد من نصف مجموع الأصوات الانتخابية للولايات الأمريكية الخمسين، وهو 538 (النصف 269).



وبالعودة إلى ما يجعلني أتوقع فوز هيلاري كلينتون فيمكنني أن ألخصه فيما يلي:

ـ خبرتها السياسية والإدارية الطويلة بحكم كونها وزيرة خارجية سابقة وسيناتورة سابقة، بالإضافة إلى الخبرة العملية التي نالتها، كونها زوجة أحد أنجح الرؤساء الأمريكيين، ومشاركته في القرارات الاقتصادية والسياسية الناجحة، مثل إنهاء العجز المالي الكبير في الخزينة الأمريكية واستبداله بفائض كبير، وهذا من الناحية الاقتصادية.

أما من الناحية السياسية فكان حل وإنهاء مشكلة البوسنة والهرسك عسكريا، والتي أعجزت كل دول العالم في إنهائها وجلب مجرميها حكام صربيا المتوحشين إلى العدالة والسجن.

ـ مستواها العلمي والثقافي الرفيع، حيث تحمل شهادة الدكتوراه في القانون (كزوجها الرئيس السابق بيل كلينتون والرئيس باراك أوباما).

ـ تمتعها بشخصية محبوبة بشهادة خصومها الجمهوريين قبل رفاقها الديمقراطيين، وبذكاء حاد وبلاغة سلسة.

ـ شعبيتها لدى الأقليات، فالغالبية العظمى من السود والهسبانك والشباب والمثقفين وطبعا النساء يميلون للتصويت لها بكل حماسة.

ـ كونها استطاعت الحصول على أصوات ولاية كاليفورنيا وولاية نيويورك، وهما أكبر وأهم الولايات وخاصة كاليفورنيا التي لن يحدث في تاريخ أمريكا الحديث أن فاز بها أي مرشح ولم يفز بالرئاسة.

ـ علاقاتها الحسنة مع الغالبية العظمى من رؤساء وزعماء العالم، وانعكاس ذلك على غالبية شعوب العالم.

وفي المقابل لكل ذلك نجد أن منافسها دونالد ترامب يتصف بصفات لا تؤهله بتاتا لمنصب رئيس أي دولة كانت، ناهيك عن أكبر وأهم دولة لها تأثير هائل على مجريات الأمور في العالم كله.

ـ فهو يتصف بالوقاحة وأحيانا بالسفاهة وإلقاء الكلام على عواهنه بدون أي ترو أو اعتدال.

ـ كما أنه سريع التوتر والانفعال، ويفتقر إلى الرزانة والحكمة في تصرفاته وردود أفعاله، وهي من أهم صفات السياسيين والدبلوماسيين، ناهيك عن الرؤساء والزعماء.

ـ تلازمه اتهامات العنصرية البغيضة، ومن كل من يحتك به ويتعامل معه تقريبا.

ـ يميل إلى العنف والعدوانية في تصرفاته وآرائه، مما يجعله (رئيسا خطيرا)، ليس على أمريكا وحدها بل على العالم أجمع، كما يتهمه ليس فقط خصومه الديمقراطيون، ولكن حتى الكثير من الجمهوريين.

ـ تخلى عنه (دفعة واحدة) أحد عشر سيناتورا وأعضاء كونجرس جمهوريون علنا بسبب آرائه ومواقفه الغريبة والعنيفة.

ـ رفض اثنان من أهم وأكبر الزعماء الجمهوريين، وهما السيناتور جون مكين المرشح الرئاسي السابق والذي يتمتع بسمعة وعلاقات حسنة واحترام كبير من غالبية أعضاء الكونجرس ديمقراطيين وجمهوريين، والثاني هو المتحدث باسم الجمهوريين بالكونجرس بول راين، وقد رفض كلاهما تأييده والدفاع عنه.

ـ سحب حوالي نصف عدد عضوات الكونجرس من الحزب الجمهوري تأييدهن له في ضربة موجعة له.



وبعد التمعن في كل ما سبق يستطيع المرء أن يتوقع فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة بنسبة مريحة لتدخل التاريخ من أوسع أبوابه، باعتبارها أول سيدة ترأس الولايات المتحدة الأمريكية، وتلحق بباراك أوباما، باعتباره أول رئيس أسود يرأس أمريكا، وجون كينيدي باعتباره أول رئيس كاثوليكي يرأس أمريكا.