محمد حطحوط

ريناد الروسي

الاثنين - 07 نوفمبر 2016

Mon - 07 Nov 2016

كان موقفا مضحكا ومحرجا لتحديد القبلة: عندما تنظر للخريطة الكاملة للعالم، للقابع في ولاية بريتش كولومبيا الكندية في الحد الغربي للكرة الأرضية، سيجد أن مكة تقع في الجزء الجنوبي الغربي منه، ولذلك تم تحديد القبلة على هذا الاتجاه، ولكن المفاجأة في صلاة الجمعة مع المسلمين، أنهم يصلون شمال شرق!! وعند السؤال تبين: أن مكة أقرب مسافة عندما تكون شمال شرق! اتخذنا من أحد القاعات مصلى بعد أخذ الإذن من مديرة المعهد التي رحبت بالفكرة، كنا أربعة طلاب مسلمين ومع مرور الوقت بدأ الرقم في التزايد شيئا فشيئا حتى غصت بنا الغرفة، اعتدنا وقتها أن يأتي طالب مكسيكي أو طالبة يابانية يدفعهم الفضول لرؤية عبادة هؤلاء «الأثرياء»! بطبيعة الحال كنا نرحب بأي زائر، وهي فرصة سانحة ليروا كم هو جميل هذا «الإسلام»، خصوصا بعد حماقة سبتمبر والتي أنزلت الإسلام من كابينة القيادة إلى قفص الاتهام!



أتى مرة أحد الزملاء ومعه طالب روسي، فرحبت به وظننت أنه كالعادة زائر يريد أن يرى صلاتنا، لكن زميلي أردف قائلا: اسمه ريناد (رجل وليس امرأة.. لأن ريناد اسم مذكر ومؤنث) وهو مسلم! رحبت به مرة أخرى وبحرارة أكبر وذلك لوجود وشيجة أخرى تربطني به غير رابطة الإنسانية.



قلت لصاحبي بعد أن يصلي معنا يكون لنا نزهة جميعا احتفاء بالضيف الجديد للمطعم الباكستاني الذي يتقن إعداد «البتر تشيكن»! إلى هذه النقطة وتبدو القصة كلاسيكية ويظهر المشهد عاديا، لكنها في الحقيقة وصلت ذروتها هنا. قال الزميل الذي أحضره: المشكلة أنه لا يعرف كيف يتوضأ ولا يدري كيف يصلي، ويذكر أن جده قبل موته كان يفعل مثلنا! كان الجميع في لحظة ذهول من وقع الإجابة، وخيم الوجوم على الجميع إذ كان كل واحد منا زائغ الفكر مشتت التفكير، وكانت المفاجأة -لأول مرة- نرى مسلما بهذه الصورة؟ كانت موعظة عملية مؤثرة للجميع، وعلمنا حينها نعمة العلم التي نرفل بها في بلادنا، شرح الفتى له عندها معنى كلمة «سبحان الله» وطلبنا منه ترديدها طيلة الصلاة كما يقول المختصون في مثل هذه الحالات.. فرغنا من الصلاة، ولحظ الجميع أن دموعه تتصبب كالجمان على خديه، ذهب الفتى مع هذا المسلم الذي ذهب ضحية لتقصير المسلمين في نشر هذا الدين، ونشر تعاليمه بين أوساط المسلمين اليوم حيث البدع والخرافة منتشرة انتشار النار بالهشيم، ويدخل في ذلك أثر المد الشيوعي وتأثيره على المسلمين في الاتحاد السوفييتي، لأن الشيوعية لا تؤمن بفكرة (الرب).



خرجنا من «الداون تاون» وأخذنا نمشي الهوينا على شاطئها الساحر حيث يختلط البحر الخضم بالنهر الجاري العذب المحاط بعشرات الأشجار في لوحة أبدعها الباري، وفي منظر تتقازم الكلمات في وصفه، حيث صورة خلابة قد لا تتكرر في مكان آخر، كانت لغته الإنجليزية جيدة مما سهل التواصل معه.. قال له الفتى: أخي ريناد.. إن الله فرض علينا هذه الصلاة لنبقى على صلة بخالقنا، وبحبل مشدود معه، إن هذه الصلاة ليست مجرد طقوس خاوية أو حركات ديناميكية لا معنى لها، إنها أولا علاقة حب بين العبد وخالقه، تمدنا بالسعادة وقسط كبير من الراحة التي لن تجدها إلا بالصلاة، قاطعني بعد أن مسح قطرة شفافة كانت تلمع تحت جفنه: أنا وجدت هذه السعادة.. كنت أبكي في الصلاة ولا أدري ما السبب.. لكن شيئا من الراحة والطمأنينة سرى في شراييني، لم أجد سوى «الدموع» تعبر عن هذا الشعور الذي اعتراني.



لا تدري لم تداعت قصة هذا الروسي للمخيلة عندما تشاهد التكاسل في أداء الصلاة عند شريحة كبيرة من الشباب والشابات، وبعيدا عن تجاذب التهم والأحكام لتارك الصلاة، ثمة شيء مهم يغفل عنه في زحمة السجال: أن الإنسان بفعله هذا قد قطع على نفسه نهرا متدفقا من الهناء والسعادة والطمأنينة، ويكون قد رضي فعلا بالشرب من ثمالة الحياة! ولن تجد أروع ولا أجمل من هذا الوصف البليغ: «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون»، هل يوجد إنسان على وجه هذه البسيطة لا يريد هذه الحياة الطيبة؟ من ترك الصلاة، فقد هتك الستر الذي بينه وبين الله.. من ترك الصلاة فقد قطع الحبل الإلهي الذي يربطه بمولاه.. من تركها فقد رضي بالدرك الأسفل من النار.. درك أسفل في دنيا الهموم والغموم والأحزان والأوجاع والآلام، ودرك أسفل في نار تلظى!



قُدّر للفتى بعدها بسنوات نزهة برية مع مجموعة أساتذة وأكاديميين أمريكيين، فقال بروفيسور من جامعة مينيسوتا وهو يتأملنا نصلي: كم هو جميل أن يسترخي الإنسان خمس مرات يوميا!



[email protected]