فارس محمد عمر

مجد الذل

الجمعة - 04 نوفمبر 2016

Fri - 04 Nov 2016

الذل مقتضى الإمعية والفراغ والانجراف، ومقتضاه الإحباط والتخاذل والضعف، فإضافته إلى المجد تناقض واضح، لكن لهذا الأسلوب استعمال نادر بليغ، مثل قول مولانا العظيم للمعذَب في النار «ذق إنك أنت العزيز الكريم»، إمعانا في تقريع المخطئ، وفي بيان المفارقة الكبيرة بين ظن البعض به وبين نهايته، والعياذ بالله.



واليوم، اتصل النادر بالمألوف وأحيانا بالغالب، فتقرأ: طار البغل وسقط السحاب، ليس من بلاغة، بل لأن القائل نعس برهة فاستوحى أن في الأمور اتساعا هائلا، وأنه اكتشف ما لم يتأتّ لغيره.



واقع وعيه ليس سوى خروق ومهاوٍ، يحسبها ظمؤه وجوعه شرابا ولحما، فينضح إناؤه بما يفضح! تمخّض واخترع تصانيفَ وتعاريف وأعماقا وأنماقا ووجوها واحتمالات.



يلقي على نفسه المِزَق والرقع لتكون ثوبا، ثم يزيد فيه وينقص منه، حتى يتوهم به أنه انضمّ لصفِّ سقراط وديكارت!



وتتكاثر المفارقات والنقائض تكاثرَ «أرباع» المتعلمين وأشباهِ المجتهدين، يوشّي أحدهم للرويبضة معاني، ويحيل آخر الوسيلة غاية، وثالث يبسط كفيه للماء، أو يحمل أسفارا، همّه اصطناع شأن لنفسه ولحياته.



مثل ذلك مجد الذل، وهو حال البعير يدور في حيز، بعينين محجوبتين، يظن سعيه وتعبه اختياره، غير عابئ برؤية ما حوله، ويظل يكِدّ مكانه مرفوع الرأس!



اللاهث نحو سراب الذل طالبا المجد، لا حيلة له إلا التوهم أنه بطل، ويظل يدافع عن تخبّطه فيمعن في تخبّطه! من عاش الهوان عزّة له، كان فهمه الأوحد في الحياة رفض الفهم!