لماذا قانون جاستا غير مبرر؟

الجمعة - 04 نوفمبر 2016

Fri - 04 Nov 2016

مؤخرا، أقرت المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية؛ الكونجرس الأمريكي قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» أو ما يعرف بـ «جاستا»، وذلك بعد أن استأنف الكونجرس للمرة الثانية المطالبة بإقراره بعد أن تم نقضه سابقا من قبل الرئيس الأمريكي.



فيما يتعلق بأسباب وتشريع هذا القانون، فللوهلة الأولى سنجد أنه يهدف لمقاضاة المملكة العربية السعودية، لكن بعد التعمق في فحواه فسنجد أن الأمر ليس كذلك أبدا.



من أهم أسباب دعم القانون لتشريعه الاعتقاد الخاطئ وشبه القاطع من فئة كبيرة من الشعب الأمريكي بأن هجمات 11 سبتمبر حدثت بدعم من حكومة المملكة، بالإضافة لدعم مادي من المواطنين والمسؤولين الحكوميين، لتمكين تلك الهجمات الإرهابية من الحدوث.



سنين طويلة مضت منذ ذلك اليوم المشؤوم والذي غيرت أحداثه مصير العالم إلى الأبد.



تم تشكيل لجنة 11 سبتمبر بهدف تقديم ملخص لما حدث ذلك اليوم، وكيف كان لمثل هذه الهجمات الإرهابية أن تحدث.



إنه لواقع بأن هذه الهجمات لم تحدث بدعم مباشر أو غير مباشر من حكومة المملكة أو أحد رعاياها كعامل مساعد أو منفذ للهجمات.



مؤخرا، نشر مجلس الشيوخ الأمريكي 28 صفحة من أحد تقاريره المتعلقة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، كما كان متوقعا الإصرار على إظهار المملكة وكأنها أحد المتسببين في التفجيرات. حتى مع مرور الوقت وتكثيف التحقيقات فإن تلك الصفحات لم تأت بأي دليل يثبت أن للمملكة معرفة مسبقة بالهجمات قبل حدوثها أو المساعدة في الأعمال الإرهابية التي حدثت في ذلك اليوم.



إذا كانت التقارير مبنية على أن المملكة هي دولة راعية للإرهاب، إذن فأي قرار لاحق سيكون مبنيا على هذا الاتهام الباطل.



ما هي النوايا الحقيقية وراء الاهتمام الزائد لإظهار الدور المزعوم للمملكة في دعم هجمات 11 سبتمبر.



الملاحظ أنه ليس من مصلحة حكومة الولايات المتحدة أن تشرع هذا القانون لأنه من الممكن أن يعمل على إدانتها في عدد من القضايا وليس فقط إدانة المملكة.



في الواقع، فإن ما يهدف إليه القانون هو القضاء أو التقليل من حصانة الموظفين الدبلوماسيين وبعض الدول. لهذا، فإن الولايات المتحدة يمكن أن تكون كذلك هدفا من دولة أخرى لتنفيذ إجراء مماثل تجاهها.



من الناحية النظرية، لماذا لن يقدم العراقيون على تقديم شكوى ضد الولايات المتحدة في بغداد نتيجة لما عانوه منها؟ بالإضافة لهذا، أليس يحق استخدام هذا القانون ضد بعض الدول التي قدمت الدعم اللوجستي والاستخباراتي للولايات المتحدة في حربها المزعومة ضد الإرهاب، كونها نظريا أيضا متواطئة في أعمال إرهابية؟ هل هذا يجعل هذه الدول أيضا راعية للإرهاب؟ ما الذي سيحمي هذه الدول الكبرى من محاولة مقاضاة بعض الشخصيات من الولايات المتحدة وجرهم إلى محاكمها كما ينص القانون؟ ولعل نظرة أعمق إلى الدولة الحقيقية الراعية للإرهاب بشكل فعلي ومباشر سيكون أفضل لإيصال المغزى.



سابقا، وزارة الخارجية الأمريكية صنفت إيران باعتبارها في مقدمة الدول الراعية للإرهاب حول العالم. ففي عام 1979 خطفت إيران عددا من المواطنين الأمريكيين، وتدعم الجماعات الإرهابية لتنفيذ أهدافها الإجرامية وتزويدها بالأسلحة، ولها صلة بأكثر الهجمات الإرهابية التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة لهذا، تسعى من خلال سياستها الخارجية لزعزعة أمن واستقرار المنطقة وانتهاك المعاهدات الدولية بشأن تجارب الصواريخ الباليستية.



إذا كان الغرض من قانون جاستا هو تشريع قانون لتحقيق العدالة لأولئك الذين تعرضوا للقتل أو لأي ضرر كان، لماذا لا يهدف هذا القانون إلى مقاضاة إيران أيضا؟ على الرغم من جميع ما سبق، إيران حصلت على الشرعية الدولية لبرنامجها النووي، و150 مليار دولار، وتطوير تقنيات صواريخ كروز والصواريخ الباليستية التي تملكها، بالإضافة إلى كونها في الطريق لامتلاك قنبلة نووية.



يذكر أن هناك طرقا قانونية تسمى بمحاكمة القانون يمكن لضحايا الإرهاب اللجوء لها. القوانين موجودة في الوقت الحالي وفي السابق أيضا.



لذا، من المنطق أن نسأل عن السبب الحقيقي لدفع أعضاء الكونجرس للموافقة الآن وبالأغلبية على القانون. في قضية لوكربي تم توجيه الاتهام رسميا في المحكمة للدولة الراعية للإرهاب والتي وقفت خلف هذا الهجوم، ثم ما لبثت هذه الدولة أن قدمت تسوية عندما أوشك الحكم بإدانتها على الصدور.



من ناحية أخرى، فالهجمات الإرهابية برعاية إيران والتي تعرضت لها أبراج في الخبر، صدر قرار بالإدانة في إحدى المحاكم الأمريكية المتخصصة، حيث وجهت إلى المتهمين تهم بالقتل والتآمر. في يوم 22 ديسمبر 2006، صدر حكم بتوجيه الاتهام رسميا إلى إيران وحزب الله لمسؤوليتهما عن الهجمات الإرهابية على أبراج الخبر.



يذكر أيضا أنه يوجد بالفعل قوانين وتشريعات تختص بمثل هذا النوع من القضايا، ابتداء من قبول الأدلة، وتقييم الجنحة ثم الحكم على الجناة تبعا لما تقتضيه القضية.



المؤسف أن الرأي والاعتقاد السائد بأن جاستا يهدف إلى مقاضاة المملكة فقط. إذا كان هناك أي دعوى مقامة ضد المملكة فينبغي أن يتم منذ البداية وبشكل قاطع أنه لا يوجد حتى الآن أي دليل يثبت أن للمملكة أي معرفة مسبقة، أو مساندة أو دعم سواء كان مباشرا أو غير مباشر للأعمال الإرهابية التي حدثت ذلك اليوم.



في الختام، تقديم دعاوى بهدف الحصول على التعويض المالي من المملكة يعني دفعها للشعور بالذنب والمسؤولية دون وجود أي دليل داعم، أو من خلال اعتبار نتائج التحقيقات التي برأت المملكة كما لو كانت مجاملة من قبل حكومة الولايات المتحدة على مدى العقد الماضي. إذا كان الأمر كذلك فسيكون واضحا تماما أن الكونجرس يعامل إيران معاملة أفضل من المملكة، وهي الشريك الاستراتيجي لعقود طويلة مضت، عن طريق السماح لطهران باستكمال برنامجها النووي بشكل قانوني.