نحو العقل والمعقولات

الخميس - 03 نوفمبر 2016

Thu - 03 Nov 2016

حينما يكون الوعظ التقليدي في حالة من العداء المستمر ضد المختلف – ثقافيا - فكريا، مذهبيا ودينيا، حتما سيتبنى سياسات ثقافية معادية أشد العداء، سياسات تستحدث نماذج مثالية لهذا العداء الإقصائي.



فهذه السياسات في الغالب تستغل عواطف الجماهير «اللا واعية»، وتمارس عداءها باستمرار لا ينقطع ولا يكاد يمل ولا يكل، خصوصا عندما لا يوجد هناك قانون رادع لها، إن هذه السياسات الثقافية برموزها التقليديين تدرك تمام الإدراك، وتوقن يقينا لا يختلف عليه اثنان أن هذه الجماهير التابعة لهم محشوة بكم هائل من الأيديولوجيات وبدرجات متفاوتة من الأدلجة وعلى حسب الظرف الثقافي الذي يسبقها.



إن هذه الجماهير التقليدية المصابة بالتبعية العمياء تشعر دائما أنها تنحو نحو العقل والمعقولات والطبيعة، بل تعتبر ذاتها - فكريا - الطبيعة البشرية أي بطبيعتها الفطرية، كما يصفها هيجل «نسق من الفكر اللا واعي»، وهذا الوصف يعني النمط على فكر واحد (بلا وعي).

في كتابه (فلسفة التاريخ)، يقول هيجل: إننا عندما نقول الفكر، أو الفكر الموضوعي، هو قلب العالم وروحه، فإنه يبدو أننا ننسب الوعي إلى أشياء الطبيعة بالفكر. ولهذا كان هيجل يقول: إنه من الضروري إذا كنا سنستخدم كلمة الفكر أن نتحدث عن الطبيعة على أنها نسق من الفكر «اللاوعي».



وباعتبار أن فكرة العقل تحتل عند هيجل مكانة عظيمة، حتى إنها بأقسامها الثلاثة لا تدرس إلا موضوعا واحدا، هو العقل في مجالات مختلفة، لذا، سنواصل الحديث عن كون العقل الذي يعي ذاته / العقل الواعي، هل يحكم التاريخ / المورث؟ أم ماذا؟ يجيب «إذا كان العقل هو جوهر الطبيعة على هذا النحو، فإنه جوهر التاريخ البشري أيضا، أي إن العقل الذي يحكم التاريخ هو عقل واع بذاته، أعني هو العقل البشري الذي يعرف ويعي ويدرك ما يفعل».



وعندما قال ديكارت عبارته الشهيرة «أنا أفكر إذن أنا موجود»، كان يقصد بذلك أن الإنسان الذي لا يفكر ولا يعقل كل ممارسته، أو بعبارة أخرى، العقل المتسق – مطلقا - للواعظ التقليدي المتزمت، هو بالضرورة ليس له وجود مع العالم المتحضر، العالم المتزامن الذي يتسابق مع الأفكار والابتكار والإبداع، فالأفكار المتحضرة – يستحيل – أن تسلم عقولها لأي كائن من كان، فكيف إذن بالعقول التي تتسق وتبيع أفكارها بتبعية عمياء لعقول متزمتة تشكل ثقافات العداء والإقصاء للآخر المختلف؟.. أترك الإجابة للقارئ الكريم.