شاهر النهاري

العريض صديق الأسطورة

الخميس - 03 نوفمبر 2016

Thu - 03 Nov 2016

لم تعد الأسطورة تتجسد في عالمنا المتسارع حين تعرف إنسانا لعدة سنوات، وتتحدث معه بحميمية، وتناقشه بعقل وعاطفة ووعي، من على البعد، ومن خلال ذبذبات همس الهواتف، وحروف مواقع التواصل، ودون التقاء بالأجساد، فلا تنكسر روعة الخيال، ولا تخرج الروح من شرنقة الأسطورة بأجنحة الواقع.



وصديقي عبدالوهاب العريض أسطورة فعلية، بأنه يتمثل لي كدودة عملاقة نشيطة، تلتهم الأوراق بسرعة الوعي، فلا تبقي، ولا تذر، ولا يثنيها كلل البصر، ولا خفوت شعاع قمر في ليل اغتسل بالمطر.



وتعيد الدودة تجميع القصاصات، ورصها بين دفتين، بحال مختلف، وبعد أن تكون قد نخرت كل السطور، ونقشتها بالبقع الصفراء، والأقواس، والأسهم، ومختلف علامات الدهشة والأهمية والعجب، وزرعتها بأكف وريقات صفراء، ليسهل الاستدلال عليها، وإعادة التهامها، حين مجاعة وجبة أسطورية بحثية جديدة.



غريب هذا الصديق الغارق في بحور الأساطير، يجمعها كما الطوابع، ويقلبها ذات الشمال واليمين، ولو أنها هي من تقلبه، على جمر الوعي، فلا يعود ينظر للدنيا إلا من خلال خيوط أساطير عتيقة زرقاء، نسجها عقل الذاكرة الإنساني المحكي المتوارث.



لكل حادثة عنده تشبيه أسطوري، ولكل أسطورة مغاز عميقة متشعبة، ولم لا وهذه الأساطير لم تحضر من ارتعاشات العدم، ولم تكن مجرد صدفة، بل إن بعضها يستهلك عصورا من الزمان، وأجيالا من البشر، وكثيرا من الحكمة، وأكثر من الصنعة، ليتم نسج كيانها، ذرة ذرة، فلا تحمل روعتها ما يستعاب، بحملها السهل الممتنع، ليعتقد قارئها بأنه مُدركها، وهي أبعد من السراب، يصعب لمسه على المستهين باحتواء كل ما فيها من المعاني، العظيمة، وبمجرد رؤيته.



كل أسطورة يمكن أن تكون لوحة جديدة يرسمها قلب وعقل من يتمعن فيها، فيقابل فيها أمما منقرضة، ويلمس عقولا وضمائر، ويجتبي مخيلات، وفنونا، وبديعا، وحكما، تسقيه كأس خلاصة عصارة الخبرات العالمية.



كل أسطورة ترتدي ثوبا شعبيا عتيقا، مزركشا بالتراث، ولها بيت من طين بيوت ناسجيها، ولها حبكة شعبية لا تمتلك حين التمعن فيها من مغبة العودة للصفر، فكثيرون هم من لا يتمكنون من استشفاف مختلف زواياها، وكل من له رؤية، لا بد أن ينظر لها من زاوية، قد يغفل عنها الكثيرون.



وتأثير الأسطورة ثابت بالتجربة، وحتى عند الأطفال ممن يدخلون معها لسراديب الأمنيات، وأفضية الأحلام، ومسابير التخيل، ويركبون صهوات إبداع براءة الخيال.



مجرد حكاية صغيرة تحكيها الأم أو الجدة، تنفش ملايين عصافير الدهشة الملونة في عيني الطفل، وتعزف على أوتار القلب المشدودة بالعاطفة، وتثير شجونه، وأمانيه، وتطلق روحه في سهول الحب الخضراء، قبل أن تحمله مستسلما على أكف النوم إلى هودج من نور، وأرائك من سعادة.



الأسطورة (Myth)، عبارة عن حكاية ذات أحداث عجيبة خارقة للعادة، أو عن وقائع تاريخية قامت الذاكرة الجماعية بتغييرها وتحويلها وتزيينها.



وقال عنها الفلاسفة: إنها مجرد شائعة أصبحت جزءا من التراث الشفهي لشعب ما، ويمكن استخدام كلمة شائعة مكان مسماها.



وتقول عنها دائرة المعارف البريطانية: إنها تجمل حكايات الناس، التي تنتقل شفاها من جيل إلى آخر، وتحفظها من الضياع بقوة ذاكرة من يتوارثونها، لتحدثنا بتاريخ الشعوب، وتحدد مكانة أصحابها في مجتمعهم.



[email protected]