مفلح زابن القحطاني

الخطاب والواقع

الاحد - 30 أكتوبر 2016

Sun - 30 Oct 2016

أزعم أن من أهم أسباب ضعف المردود الثقافي والاجتماعي والأخلاقي لهذا الكم الكبير جدا من الخطب والمواعظ والمحاضرات والدروس واللقاءات العلمية والثقافية، وحتى ما تقدمه المدارس والمعاهد والجامعات في المقررات الدراسية من أفكار وقضايا وطروحات كان يمكن أن تشكل نسيجا ثقافيا واجتماعيا قويا هو بعد ما يطرح من قضايا وأفكار وأدبيات عن الواقع وانفصامه عنه.



وهذا شيء معلوم عند علماء التربية والاتصال، فحين نخاطب الناس من خارج واقعهم ونحشد القصص والأحداث ونوظف الشخصيات من خارج البيئة التي يعيشون فيها سيبقى أثر مثل هذه الخطابات محدودا؛ وسيكون نسيانه سريعا، وسيظل مجرد أفكار معطلة وغير مفعلة، لأن الناس تريد من يخاطبها من واقعها المعيش، وتود أن تكون هذه الأحداث والقصص موظفة من حياتها حتى تستطيع أن تتفاعل معها، وأن تتصرف كما يجب حين تتعرض لنفس المواقف.



هذه الطريقة العقيمة في التوظيف والمتمثلة في الانفصال من الواقع لا ينحصر أثرها في أنها تجعل متعاطيها يخسر أحد أهم عوامل النجاح في الاتصال وهو جذب الناس للحديث وللطرح فحسب، وإنما الأحداث تتشابه والمواقف تتعدد؛ ومثل هذا الأمر ممثلا في الانطلاق من الواقع وجعله مصدرا هو خير إعداد للإنسان للتعاطي مع من حوله وما حوله.



حين نتحدث مثلا عن الإرهاب والغلو والتطرف ونحو ذلك من هذه الأفكار الضالة ونستقي ذلك من تراثنا الديني والتاريخي فحسب ونقبع في أحداث وقصص ومواقف ماتت وانتهت ونغفل عن النظر إلى واقعنا ممثلا في الحركات والتنظيمات الإرهابية المعاصرة واستراتيجيات وممارسات وأفكار وأساليب هذه التنظيمات وأسماء هذه التنظيمات وملامحها سيبقى مثل هذا الطرح دون قيمة وسيمر دون تأثير بالنظر إلى أنه يجتر الماضي ويغفل ما استجد.



وكذلك المقررات الدراسية والجامعية للأسف ما زالت تعيش خارج زمنها، وتطرح ما لا يحتاجه الناس، وتنعزل عن الحياة العامة، وهذا بلا شك يقلل من قيمتها وأهميتها، ويحد من أثرها، لأنها بهذه الصورة لا تجسد الواقع، ولا تعيشه، وهذه مشكلة كبرى في مقرراتنا الدراسية في المدارس والجامعات؛ فإذا ما نظرت مثلا إلى مسائل الفقه وأحكامه وقضاياه، وجدت أن هذه الوقائع والأحكام تأتي بطريقة عتيقة، وتنفصل عن حياة الناس في لغتها وطريقتها وأمثلتها.



حبنا لتراثنا الديني واللغوي والعلمي يجب ألا يتسلط علينا بهذه الصورة، وألا نغمض عيوننا عن واقعنا وما يشهده من مستجدات وقصص وقضايا وأحداث؛ فمن المهم أن تكون مثل هذه القصص والأحداث والقضايا المعاصرة حاضرة أمام الأعيان، وأن تقدّم كنماذج، وهذا يحقق التوافق بين المرسل والمستقبل، وفقده يشكل مظهرا من مظاهر الخلل في الاتصال، ومعوقا من معوقاته، والمعروف أن عملية الاتصال اللغوي – كما يرى الباحثون – لا يمكن أن تتم ولا يمكن أن تؤتي ثمارها على الأقل في الحد الأدنى لها إذا تعرضت لمثل هذا المعوق.



[email protected]