عبدالرزاق سعيد حسنين

الفضائيات.. ومشاكل المجتمعات

السبت - 29 أكتوبر 2016

Sat - 29 Oct 2016

كثيرة هي القنوات الفضائية التي يحويها ذلك الجهاز الصغير في معظم بيوتاتنا، بعد أن كنا في الزمن الجميل، نتابع أخبار العالم عبر قناتنا السعودية المحلية، وما إن ينتصف الليل حتى يطل علينا مذيع الفترة المألوف بعد نشرة الأخبار الأخيرة، معلنا انتهاء البث التلفزيوني وبابتسامة عريضة يقول: تصبحون على خير ونلتقي في الفترة الصباحية.



ولقد كانت الأنفس راضية بذلك البث الذي يتخلله انقطاع، إما لسوء الأحوال الجوية أو لبساطة الأجهزة المستخدمة في محطتي تلفزيون جدة والرياض، إضافة إلى ما كنا نواجه من معاناة لضبط إشارة الإرسال عبر (أنتن السطح)، الذي تتلاطمه نسمات الهواء، لتعتلي أصوات الأهل والجيران بتحريكه يمينا أو يسارا، للحاق بما تبقى من فيلم السهرة الوحيد، بما يذكرنا بتلك المسلسلات الهادفة من صح النوم والعقد الفريد واليد الجريحة أو المصارعة الحرة، التي كانت معشوقة الجماهير. تلك المسلسلات التي كان ممثلوها يحترمون المشاهدين وحقوق الأسر في تلك البيوت المغلقة من الزمن الجميل، ببساطتهم وتماسك أسرهم.



وما لبث أن تطور عالمنا بدخول التقنيات الحديثة وتعدد الفضائيات، بما تحويه من غث وثمين، ولا نختلف في أنها أرهقت مسامعنا وأشغلت جل أوقاتنا ليلها ونهارها، حتى أصبحنا وأمسينا نتابع أخبار العالم حين حدوثها، مما جعلنا نعيش التوتر والأحزان، التي ساهمت في انتشار أمراض لم نكن نسمع بها، يوم كنا نعيش الهدوء العاطفي والراحة النفسية، الناتجين عن الترابط الأسري، الذي يفتقده معظمنا في هذه الأيام، لانشغالنا بوسائل التواصل، التي زاد وهج لهيبها، حتى تكاد تفتك ببعض العائلات صغيرها وكبيرها.



والمتابع لتلك القنوات الفضائية التي نحسبها عائلية بامتياز إلى وقت قريب، ما لبثت أن تعاطت العديد من المسلسلات الخليجية والمدبلجة، وفي مجملها عشق وغرام وهجر وتطاول، ومشاهد تبرج فاضح وعبارات بعضها ساقط، وبكل أسف يتداولها بنات هذا الجيل وشبابه، والتي في اعتقادي جازما زادت من حالات الاحتقان الأسري، المنتهي بدهاليز المحاكم ومخافر الشرطة.

ومما لا شك فيه أن مجمل ما تطالعنا به صحافتنا اليومية من نهب وقتل، وقضايا عقوق وخصومات، نتاج ما يخرجه لنا بعض الإعلام المرئي وممثلوه، الذين ركضوا خلف الماديات وتناسوا مبادئ ديننا الإسلامي، أو حتى احترام حقوق العائلات، ممثلون وممثلات خدمتهم أصباغ التجميل الزائف، ومعظمهم دخلاء على الفن، لهثوا خلف عقود الملايين وذلك الكم المهول من الأفلام والمسلسلات الغثة، التي ساهم تعدد الفضائيات في إنتاجها وانتشارها.



وإن تحدثت عن برامج الأطفال وتعدد قنواتها، وما تعرضه من أفلام كرتونية، مجملها ينتهي بالضرب والقتل والدمار، بل والقضاء على الخصم بكل وسائل القوة، المسبوقة بعبارات وحركات، بعضها يمثل شركيات، بمخاطبة الفضاء وتجميع القوى الخارقة من النجوم والأحجار، وغير ذلك من الأوهام التي يعيشها أطفالنا منذ عودتهم من مدارسهم وحتى ساعات متأخرة من الليل، أفلام يهدف منتجوها وبكل أسف، لبناء جيل من الشباب العربي البعيد عن مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، ولن أخوض في البوكيمونات وما أثارته من ضجة إعلامية أشغلت وسائل التواصل.

وهنا وعبر صحيفة مكة التي أكن لها احترامي، أناشد أصحاب تلك القنوات بأن يسخروا تلك الملايين لما فيه مصلحة الوطن وشبابه، نحو إنتاج برامج ومسلسلات هادفة، تساهم في تنشئة الأجيال الحالية والقادمة، على حب الخير والسلام، بعيدا عن عبارات التحدي والكراهية والقتل، التي صارت هاجس العائلات نحو فلذات أكبادهم.



وقد يقول البعض بأن باستطاعة رب الأسرة التحكم فيما يشاهده أبناؤه، وهنا أرد القول: بأننا في زمن يصعب فيه ذلك، لتعدد مصادر المعلومات واتساع الميديا وانتشارها ورخص ثمنها، بخلاف ما تنتجه بعض مدارسنا والشارع والبيئة المحيطة بأطفالنا، ولا يختلف اثنان بأن القنوات الفضائية كالنار الهادئة، موجودة في كل المجتمعات، ولديها قدرة فائقة لغزو بيوتاتنا، بعيدا عن أي رقابة منع أو تقيد بخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، لما يعيشه عالمنا من فوضى الفضائيات أو (الفضائحيات)، التي تعد جزءا من الغزو الثقافي الذي يمارسه أعداؤنا، بما تعرضه من الكم المهول من المشاهد المخزية، التي تبث سمومها الفكرية الداعية إلى الانحراف والتفكك العائلي، وفي مجملها الخيانة والجريمة والتبرج المثير، الذي بلا شك يفسد الشباب وغيرهم، بمشاهدتهم لتلك المسلسلات وأغاني الكليبات الخادشة للحياء، بما يشكل خطرا حقيقيا على قيمنا الإسلامية.



وبلا شك فإن ما تبثه بعض الفضائيات يستهدف الأطفال والمراهقين، بل حتى كبار السن، لهدم ما تبقى لديهم من القيم والأخلاق، وختاما أسأل هؤلاء: هل جني ملايين الدولارات على حساب تدني أخلاق المجتمع حلال أم حرام؟



وباعتبار أن مجتمعنا يعاني من آثار الفضائيات، فما هو الحل في رأيكم؟ أسأل الله سبحانه أن يحفظ إعلامنا وشبابنا من تلك الانجرافات المذمومة عواقبها، وأن يعين القائمين عليه، بمعاقبة من تسول له نفسه العبث بثروات الوطن وشبابه.