عبدالعزيز الخضر

الإعلام.. ورصيدنا من التفاؤل

السبت - 29 أكتوبر 2016

Sat - 29 Oct 2016

حدثت حالة ارتجاج ذهني في الرأي العام في الفترة الماضية، حيث تزامنت عدة معطيات بزمن متقارب، وخلقت زخما هائلا من ردود الفعل مصحوبا بسخريات الكترونية متنوعة، وكان من الصعب مواجهة هذه الموجة الجماعية التفاعلية.



ردود فعل الرأي العام أكثر من نوع، بعضها مجرد زوبعة الكترونية تجرفها أحداث أخرى سريعا، وأمثلتها أكثر من أن تحصى، وهذا يحدث عادة حول كثير من القضايا المفتعلة من أجل الإثارة، وتكشف هذا النوع هاشتقات اختفت من الذاكرة الجمعية مبكرا، ونوع آخر حقيقي من فئات مختلفة، يستمر طويلا وهو الأهم للوعي بتأثيره في الحاضر والمستقبل. كان من أبرز ضحايا هذه الموجة هو رصيد المجتمع من التفاؤل وهو ما يجب أن يأخذ حيزا من الاهتمام في إدارة كل مرحلة.



الحديث عن التفاؤل ليس مجرد كلام إنشائي حول أهمية خواطر الجمهور وكيف نطبطب عليها، بقدر ما هو له قيمة محسوبة مادية وتنموية مؤثرة، فالواقع أن السوق والاقتصاد في هذا العصر يتأثران كثيرا بالروح الجماعية، فانخفاض درجة التفاؤل قد يكلف المليارات من الأموال، وقد يعوق الكثير من المشاريع التنموية الطموحة في أي دولة، وتشهد حركة الأسواق في النفط والأسهم والعقار ومختلف السلع تذبذبها بناء على اللعب بأعصاب الجهور والمتداولين، وما تحدثه من تأثير على قرارات ليس الأفراد فقط، وإنما حتى بيوت الخبرة، بسبب التوقعات من سلوك المضاربين، والطمع بأسعار أقل، ويستفيد من هذه الأجواء المضطربة أو الغامضة من يملكون سيولة عالية، بحيث يتم الضغط على نفسية الملاك ليتخلوا عما يملكونه لشرائه بأسعار منخفضة كما حدث عند أكثر من هزة، ويكون الإرجاف ليس بالقول بأن كل شيء سينزل.. وإنما سينهار لتربك قراراتك الشخصية، وأنه عليك أن تستدرك الخطر. ومهما كانت خبرتك في هذه المجالات فإن ضغط سلوك المتداولين سيؤثر عليك في النهاية، وإن لم تكن مقتنعا بحقيقة ما يقال بأن المستقبل أسوأ، وأن القادم غير مطمئن.



هذه المخاطر بانخفاض التفاؤل تبدو واضحة عند تجار كل سلعة، لكن بالنسبة للمجتمع تبدو أكثر خطورة اجتماعيا وفكريا، حيث تسهم بتغيير أشياء كثيرة، يصعب التنبؤ بنوعها وحجمها، والأخطر عندما تمس مثل هذه المرحلة مختلف الشرائح والأعمار والتوجهات، مما يصعب السيطرة على حالة التذمر الجماعي التي ستكون موجودة مع كل قضية وموضوع. يجب أن نميز بين التذمر الذي يحدث فعلا بسبب موضوع محدد وبين طريقة تناوله، فالرأي العام المحتقن في بعض الحالات سيكون حساسا مع أي شيء، ويفرغ شحناته الغاضبة حول أشخاص وبرامج، فالتعامل مع الرأي العام ليس مجرد خطاب إعلامي، وإن كان الإعلام جزءا كبيرا من إنجاح أي رؤية استراتيجية.



وأمام بعض الظروف الاقتصادية والإقليمية ليس مطلوبا من الإعلام تزييف الواقع أو خداع الجمهور بقدر ما يطلب منه تقليل الأخطاء القاتلة، والتي تزيد الطين بلة. القدرة على التنبؤ بنوعية رد الفعل بحاجة إلى خبرة بطبيعة المزاج العام وظروف كل مرحلة، ومهارة إعلامية فأحيانا المبالغة في إيصال فكرة للمواطن تأتي برسالة عكسية مباشرة، وقد يكون الإعلان المكثف عن برنامج معين في استضافة مسؤولين ضارا جدا وهذا يتكرر كثيرا.. لأنه يرفع من سقف التوقعات الشعبية، وينتظر كلاما معينا، وتتضخم الخيالات لعدة أيام قبل البرنامج، ثم يصدم المشاهد بعكس ما توقعه، وبدلا من أن يشاهد البرنامج بطريقة طبيعية بدون توقعات مسبقة ويصبح تقييمه للحديث بعيدا عن أجواء الشحن التي تحدثها الدعاية التسويقية المكثفة لبرنامج معين.



لهذا يجب أن يدرك الإعلامي ومن هو مسؤول عن أي تصريحات لأي جهة رسمية، نوعية الخبر، فالأخبار نوعان سلبية وإيجابية، سياسيا أو اقتصاديا، وفقا لنوع الخبر، ولهذا يجب أن يستحضر الإعلامي نوعية الخبر فلكل نوع من الأخبار طريقة تقديم أو تسويق للتعليق عليها، فتناولهما بطريقة واحدة دون تمييز.. ينتج هذا النوع من الصدمة في الرأي العام، التي تكون على حساب رصيدنا من التفاؤل.



[email protected]