عبدالله المزهر

أيام الكذب الجميل!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 26 أكتوبر 2016

Wed - 26 Oct 2016

من نافلة القول أن كلمات كثيرة فرغت من معانيها الأصلية ولم تعد تدل على تلك المعاني. الحب والوطنية والصدق والشجاعة والكرم والرجولة والأنوثة وغيرها من قائمة طويلة من الكلمات أصبحت الآن تؤدي إلى معان لم تكن هي التي اخترعت من أجلها تلك الكلمات.



وهذه ليست مشكلة كبرى، فالبشرية تسير بخطى متسارعة إلى الهاوية، وانعدام المعاني الإيجابية يتسق مع هذا الانحدار.



ما أعتبره مشكلة هو أن الكلمات التي تدل على القيم العليا ليست وحدها التي فرغت من معانيها وأصبحت بلا معنى في هذه الحقبة السوداء من تاريخ البشرية، بل إن النذالة والخسة والغدر والجبن لم تعد كما كانت سابقا.



وكوني ـ على سبيل المثال ـ أحد «النصابين» فإني أتحسر كثيرا على زمن الكذب الجميل، حيث ابتلينا في هذا الزمن الأغبر بكذابين يسيئون حتى للكذب نفسه.



وعلى سبيل المثال ـ ليس إلا ـ فإن الزعماء والقادة الكذابين على مر العصور حين كانوا يكذبون في خطبهم فإنهم يستفزون الناس، لأنهم يكذبون بطريقة تحترم عقل المتلقي، كان كذبا تشعر به لكنك لا تستطيع إثباته، بعض زعماء اليوم حين يكذبون فإنهم يبدون كالمهرجين، مع شديد الاحترام للتهريج كمهنة راقية ، تسمع أحدهم فتضحك، لأنه يكذب بطريقة مكشوفة وغبية تزيد عذاب مسيلمة في قبره.



كان الناس يكذبون مضطرين لأسباب يرونها وجيهة، وكان الكذب ـ على أنه خلق ذميم ـ يحظى ببعض المجهود الذي يبذله الكذابون والأفاقون ليبدو كأنه الصدق، أما الآن فإن الكذب مجاني وبدون أسباب ودون حاجة، فقط كذب من أجل الكذب.



وعلى أي حال..



في زمن آخر كان سيبدو منظري غريبا وأنا أتحدث عن الكذب وأشتم الكذابين، أما الآن فالأمر طبيعي ومنطقي، فهذا زمن يمكن فيه بكل بساطة أن يتحدث لص عن العدالة، وأن يتحدث قاتل عن حقن الدماء، وأن يلقي أبكم محاضرة في جمع من الصم دون أن يكون الأمر غريبا ولا مثيرا للدهشة!



[email protected]