أحمد الهلالي

إعلامنا كالطفل يرعبه القمر!

الثلاثاء - 25 أكتوبر 2016

Tue - 25 Oct 2016

درج في ثقافتنا تشبيه الإعلام بالمرآة، لكن هذا الوصف بات من الماضي في عصر (البروجكتر)، فالمرآة (كذوب) أحيانا، وشركات السيارات تكتب على خديها تحذيرا من خيانتها وخداعها للسائقين، ناهيك عن المرايا المقعرة والمحدبة، وإن تأملتها جيدا وجدتها (منافقة) لأن لها وجهين مختلفين، فيكون البروجكتر بأشعته الأمينة في نقل صورة الشريحة كما هي، أجدر من المرآة وأوثق، فنقول (إعلامنا كالبروجكتر).



إعلامنا اليوم يواجه الكثير من المحاذير والمحظورات، وهذه الأغلال أرهقته حتى تآكلت موثوقيته، وازدادت عزلته، وبات عبئا على كاهل الوطن والتنمية، فحاله في عالم اليوم يشبه الطفل تماما، فحين يستمتع الكبار بمساحة (المسبح) الكبير وعمقه ويتحركون بحرية كبيرة، ينحصر الطفل في (المسيبح) المجاور، وربما يكون وحده في تلك الدائرة الضيقة الضحلة، وسيصبر عليها؛ لكن صخب الكبار في المسبح الواسع وتعالي ضحكاتهم، وانشغال بقية الأسرة بمراقبتهم وتصويرهم، والحديث الضاحك معهم يزيد الصغير كمدا، ويتمنى الخطر (الملفت)، على الضيق وتجاهل الجميع بدعوى (الأمان).



عدد قنواتنا وصحفنا ومجلاتنا وإذاعاتنا كبير جدا، لكنه كغثاء السيل، فالخبر هو هو، والموضوعات هي هي، والفساد وقلة المهنية وضعف الضياء جعل الإعلاميين اللامعين يختنقون في العتمة، ويهاجرون إلى منابع الضياء المتوهج، وهنا أتذكر سخرية سوداء لأحد زملائي حين أخبرته بأني سأظهر على الهواء في (قناة رسمية)، فرد ضاحكا: (في هذي القناة المذيع يتروش)، يقصد أمام الكاميرا، كناية عن انعدام المشاهدة.



(الشفافية) التي تكررت في حديث ولي ولي العهد في إعلان الرؤية هي الملاذ الوحيد لبناء إعلام منافس، وثقافة فاعلة، فتلوين المملكة باللون الأسود الذي يعني (وضعا خطيرا جدا) في (التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2016) لا يمكن قبوله في عام انطلاق رؤية 2030، لنجدها مع الدول المضطربة أمنيا وسياسيا كسوريا واليمن وليبيا وغيرها، أو قمعيا كإيران وكوريا الشمالية، رغم أن العراق على ما فيها صنفت أفضل منا، هذا الأمر لا يمكن قبوله مطلقا، وإن تقبلناه (على مضض مر) سنشترط على الوزارة أن يسجل إعلامنا مركزا متقدما ورائدا في حرية الرأي، كما تسجل موريتانيا وتونس والكويت على الأقل.



دعوا إعلامنا يتحرك وتتنافس وسائله المختلفة، ودعوا الإعلاميين يشعرون بالأمان في كتاباتهم ورؤاهم وتقاريرهم، دعوهم يحرجون المسؤول ويظهرون عجز العاجز وتميز المتميز، وأضمن لكم أن اللوائح الشفافة ومعايير الجودة والتنافسية والمهنية، ستكفل التزام وسائل الإعلام المختلفة؛ لأن إحصاءات التجاوزات ستؤثر على تنافسية الجهة الإعلامية في معايير الجودة.



ختاما/ كثرة (المحرمات الإعلامية) تعيق العقل البشري، وتقيد حرية الرأي، وتلقي بظلالها على النتاج الفكري والثقافي والاجتماعي التي تعتمد عليها التنمية الوطنية كلها، مع اعتبار أن للإعلامي حرمة وتاريخا ومتابعين ومكانة يجب أن تكفلها اللوائح والتشريعات، وتظل بمنأى عن ردود أفعال المسؤولين الساخطين، ما دام الإعلامي متحليا بالمهنية، وإن تجاوز فللإعلام قنواته العدلية الرادعة.



[email protected]