حنان المرحبي

احتياجاتنا.. إما أن تقودنا إلى خيارات التميز أو التشتيت

الاحد - 23 أكتوبر 2016

Sun - 23 Oct 2016

نمر بعشرات المواقف والأحداث ونتقاطع مع العديد من الأشياء الموجودة من حولنا في خلال ساعات اليقظة. والغريب أن بعض تلك المواقف والأحداث موجودة ولكن لا نشعر بها، نمر بجانبها أو تمر بنا ولا تدركها حواسنا، ولكن البعض منها يلفتنا ويسلب جزءا من انتباهنا، فيتوقف تدفق الحياة عندها لبعض العمر.



ولأن الأحداث والمواقف التي تسلب انتباهنا لها تأثير على حياتنا، وقد تأخذنا إلى منعطف مختلف عن ذلك الذي نخطط له، من المفيد أن نعرف لماذا تسلب انتباهنا؟ هل هو أمر من داخل أدمغتنا ومن تصوراتها أم من محيطنا والأحداث والأشياء الموجودة فيه؟



أي شيء يستوقف انتباهك هو أمر تجد فيه أهمية خاصة، يلبي احتياجا لديك (احتياجا أمنيا، غذائيا، عاطفيا، اجتماعيا)، أو يتعارض معك فيه، يلامس شيئا من أحاسيسك ورؤيتك حول ذاتك ومحيطك، تستطيع إدراك تأثيره عليك، فيجذبك أو يقلقك.



الأحداث والمواقف من حولنا لا تحصى، ولكننا نختلف في رؤيتها واستعدادنا للوقوف عندها. فما يستوقفني قد لا يستوقفك وقد لا يستوقف والدتي، كمثال.

أي حدث يستوقفك فذلك لأنه يثير تساؤلا أو رغبة لديك للتعرف عليه. وكل أمر يثير تساؤلا يمكن معاملته «كمشكلة» يهمنا أمرها.



والأحداث والمواقف التي تستوقفنا ونعاملها كمشكلات مهمة، قد تبدو كثيرة العدد في أعين البعض منا، وقد تبدو قليلة ولكن متضخمة أو معقدة في أعين آخرين، لماذا هذا الاختلاف؟



إن سبب الاختلاف هو الطريقة التي تستجيب فيها أدمغتنا لما يجري من حولنا. فأدمغتنا هي التي تقرر الوقوف عند حدث وتجاهل الآخر، متأثرة باحتياجاتنا.



كيف يحدث ذلك؟



احتياجاتنا تعمل كالرادارات، تجعل أدمغتنا ترى وتلتقط الأحداث والمواقف التي تلامسها، وتتجاهل ما عداها. وهي تتأثر بأهدافنا ودرجة وعينا بالمستقبل وفرصه. كلما تقدمت أهدافنا وارتقت، أصبحت احتياجاتنا أكثر تعقيدا ومقابلتها أكثر صعوبة.



تكثر المشكلات في أعين أولئك الذين يسعون إلى تحقيق أهداف بسيطة (تسد احتياجات بيولوجية أو استهلاكية، كمثال)، لأن الحلول التي تشبع هذه الاحتياجات عديدة ومنتشرة، لهذا تسلب الانتباه بسهولة، ويتشتت الدماغ مع تعدد الخيارات المتاحة لإشباعها. ولكن ينكمش عدد المشكلات في أعين أولئك الذين يسعون إلى تحقيق أهداف صعبة (وهي غالبا ما تكون لسد احتياج التميز أو القيادة)، لأن الحلول هنا ليست سهلة المنال، ولا منتشرة وتتطلب مجهودا خاصا ومركزا.



وحينما تتعلق أدمغتنا باحتياجات قليلة ولو كانت معقدة، يرتفع تركيزها، وتشتد رؤيتها، نتيجة لتجاهلها للمئات من المواقف والأحداث المشتتة من حولها (لا تعاملها كمشكلات تتطلب اهتماما خاصا).



في حياتنا المهنية، نحاول أن نعجل من خطواتنا نحو تحقيق جزء من احتياجنا للتميز، ولصعوبة تحقيق ذلك، تلزمنا طاقة تركيز عالية لا تشتتها الظروف بسهولة، وعقلية ذات وضوح شديد حول المستقبل وأدوات النجاح فيه. ولأن مصدر التشتيت هو عقلنا الخاضع لتأثير احتياجاتنا، وليس محيطنا وما فيه، فتركيزنا وجهدنا ووقتنا متوقف على خياراته من المواقف والأحداث التي يستوقفها كمشكلات ذات أهمية خاصة.



فالعقول التي لا تدرك سوى الأحداث والمواقف التي تشبع احتياجات صعبة وكبيرة، فلكون فرص تحقيقها قليلة ونادرة، فإن تركيزها يرتفع، وتشتتها يقل. أما العقول التي لا تدرك سوى الأحداث والمواقف اليومية الصغيرة لتلبية احتياجات بسيطة، فوصولها للتميز المهني يصبح أبطأ لسهولة تشتتها واستنزاف طاقتها بين الخيارات المتعددة لإشباع احتياجاتها البسيطة.



[email protected]