بسام فتيني

منتجع إصلاحية جدة

راصد بلا مراصد
راصد بلا مراصد

الاحد - 23 أكتوبر 2016

Sun - 23 Oct 2016

تشرفت بدعوة مدير العلاقات العامة بسجون جدة الأستاذ هلال الهلالي لزيارة الإصلاحية الجديدة في جدة والتعرف عليها كزائر، وأسأل الله أن لا أدخلها بصفة غير هذه، وخطرت ببالي مباشرة الصورة النمطية التي أسمعها دائما عن العنابر الحديدية الباردة الكئيبة الموحشة، فالسجن مهما حاولنا تلطيف اسمه يظل شبحا يخنق الحرية، وهي أغلى ما يملكه الإنسان! لكن بمجرد لقائي بالمقدم فايز الأحمري مدير الإصلاحية بدأت هذه الصورة الانطباعية تتبدل وتتحول شيئا فشيئا إلى ذهول بل وعدم تصديق لما أرى أمام عيني (اللي حياكلهم الدود) بعد عمر طويل إن شاء الله. فإصلاحية جدة التي تقع على مساحة شاسعة، وتضم مباني حديثة مترامية الأطراف، انفردت بمفهوم جديد يكسر كل ما قيل سابقا، فأثناء الجولة صادفت قاعة تدريبية مليئة بالمتدربين من الموقوفين يستمعون لمدرب من جمعية المودة للتنمية، وكأنهم موظفون في قطاع ما يتلقون العلوم بكل أريحية! رأيت طاولة بلياردو ومنطقة تشميس وملاعب متعددة الاستخدام (كرة قدم – سلة – طائرة)، ورأيت وحدات سجنية ذات خصوصية عالية للزيارات العائلية لمن يرغب من الموقوفين في رؤية أهله، بل والمبيت معهم! رأيت سوبر ماركت داخليا، بل ومكائن بيع ذاتي لبعض السلع، والجميل أن المشتريات تكون باستخدام بطاقات يتم شحنها مسبقا؛ حتى لا يتم تداول مبالغ (كاش) فتصرف في غير محلها، كل هذا وأكثر شاهدته بأُم عيني، بل واسترقت لحظات انفردت بها مع بعض الموقوفين بشكل عشوائي أسألهم عن طريقة التعامل، وهل يتم معاملتهم بأي نوع من القسوة أو العنف، فلم أجد إلا الدعوات الخالصة للعاملين بالستر والتوفيق على إنسانيتهم، بل إنني سألت أحدهم واستحلفته بالله أن يقول الحق بلا خوف، فرد علي بلا تردد أن لا أسمح أصلا بالمزايدة على مصداقيتي! لم يكن الإحسان حاضرا فقط في الأفراد بل حتى في استباق حالات الطوارئ، فوحدات الدعم والمساندة موجودة على مدار 24 ساعة، والطبيب والإسعاف لهما مقر دائم ومواكبة لا تنقطع، ورغم أن زيارتي استغرقت عدة ساعات لكنها والله وكأنها دقائق مرت سريعا، وما هي إلا لحظات حتى أشار إلي المقدم فايز بالركوب معه في سيارته للعودة إلى مكتبه، وفي الطريق وضح لي باقي المرافق من أماكن للخياطة وتربية المواشي، بل وتوظيف بعض الموقوفين بمقابل مادي لإنجاز بعض الأعمال داخل الوحدات السجنية. انتهت مساحة المقال ولم ينته ما لدي من قصص أخرى، لكن أختم بجملة مفادها: اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان، ووفق ولاة أمرنا في مساعيهم وإنسانيتهم.