محمد أحمد بابا

أبلة فهيمة

الاحد - 23 أكتوبر 2016

Sun - 23 Oct 2016

لا يمكن لي أن أفهم البون الشاسع بين نظرتنا لكوننا في عام 2016 وبين ممارسات وأساليب شبه تعليمية يتوارثها جيل عن جيل في مؤسسات التعليم العام رغم كل محاولات التدريب والتطوير والإقناع بالمستجدات.



في كل مرة تلتحق فيها إحدى بناتي بالمدرسة أجدني فجأة مشاغبا - حسب توصيف بعض مع أشتكي لهم في إدارات التعليم - وأكون نشاز اعتراض وغريب طلبات، مع أنني لا آمل من أي معلمة إلا ما نصت عليه مهام المعلم في أنظمة التعليم.



هذه السنة دخلت ابنتي الصغرى المدرسة بعد أن أمضت سنة قبلها في روضة أطفال تعلمت فيها أكثر مما يتعلمه الطفل في الصف الأول الابتدائي، لكن معلمة الصف فاجأت كل تاريخي التعليمي بما لم يأت به الأولون.

منذ بداية العام وأمها تتلقى عبر مجموعة واتس اب أنشأتها المعلمة لأمهات الطالبات أوامر موجهة للأم بالتحديد تتخطى خمس بصمات يوميا كما يطلب أمين المدينة المنورة.



المعلمة ترسل للأمهات «حفظوا بناتكن سورة كذا، علموا بناتكن دعاء كذا، أرسلوا مع بناتكن مبلغ كذا رسم دفتر واجبات، ركزوا على بناتكن في الواجبات، دربوا بناتكن على التمرين كذا».

وفي وسط ذلك يأتي فاصل دعائي بأن لديها خلطة كذا مفيدة في حالة كذا للمرأة المحتاجة لكذا وبسعر كذا، ثم يأتي الحسم بالمرسوم الكبير منها أنها لا تتلقى المشاركات ولا التساؤلات عبر الواتس اب إلا وقت الدوام الرسمي.



قلت لزوجتي ربما صدق وزير الخدمة المدنية في ساعة إنتاجية فقط متوسطا لعمل موظف مثل «أبلة فهيمة» هذه، فكيف لها تعليم 28 طفلة في ساعات الدوام والانشغال بالواتس اب ترتيبا للخلطات وتهذيبا للأوامر.

وتعجبت كيف يكون التعليم في ذهن هذه المعلمة الفاضلة إلقاء أوامر على الأمهات بأن يقوموا بأكثر من 90% من عملها في المنزل لتستلم هي طالبة حافظة فاهمة ناجحة وفوق ذلك راتبا شهريا لم تنقصه حركة البدلات؟



الذي أعرفه وشاهدته ومارسته ووقفت عليه بأن الحصة الدراسية كافية تماما لإدارة تعلم مع الأطفال، تجعلهم يفهمون ويستوعبون ويكتسبون مهارات جديدة في هذا العمر السانح لشغف التعليم، والذي لا أستطيع استيعابه أن تكون كل معلمة «رجل أمن» تصدر الأوامر بناء على قائمة طويلة منوطة بها لتريح نفسها من عناء تعليم لا ترغب فيه كوظيفة، وتحتفظ بوقتها لأرباح تسويقية من خلال مجموعة قد يرهبها أن لا يتعلم بناتهن إن لم يحققن «لأبلة فهيمة» هذا (البريستيج) الذي تحرص عليه.



إذا كانت ابنتي ذات الست والنصف تشعر بالمدرسة عبء أوامر، وبالحقيبة المدرسية عبء كتف، وبالمعلمة عبء انشغال وغياب، وبالتعليم عبء تلق، فإن أملي في أن تفهم ابنتي وتقترح وتبتكر وتجرب وتحاول وتتعلم قد ضاع لتصبح هي يوما من الأيام فهيمة زمانها دون مسوغات.



لا يمكن أن يكون اعتراض «أبلة فهيمة» على المنهج والمقرر والكتاب المدرسي واجتماعها بالأمهات لتقنعهن برأيها الخرافي هذا، وأنها ستعوض ذلك بـ (القاعدة النورانية) إلا جزءا مهما من ممارسات خاطئة في حقل التعليم الابتدائي والصفوف الأولية بالذات، سيبنى عليه من الأخطاء في مراحل قادمة ما يجعل الاجتهاد وضربة الحظ والقرارات الفردية هي تقارير النجاح في غياب قيادة مدرسية متابعة.



فخلو استراتيجيات التعليم الممكنة للمعلم والمعلمة من مناسبة مكان وزمان وثورة معرفة ومعلومات يقلل كثيرا جدا من ثقة آباء وأمهات في جدوى وقت تمضيه الطالبة أو يقضيه الطالب في حجرة دراسية مطلية (بكاريزما) الأوامر الصارمة لهم ولآبائهم وأمهاتهم ومن يتشدد لهم.



[email protected]