منى عبدالفتاح

كيف تهزم الفقر في قرون!

السبت - 22 أكتوبر 2016

Sat - 22 Oct 2016

لم تبذل الفضائيات جهدا من أجل إبقاء صور سوريا والعراق ودارفور وجبال النوبة وجنوب كردفان متصدرة لكل أخبار الكوارث الإنسانية المتعلقة بمثلث البؤس «الفقر والجوع والمرض» الناتج عن الحروب وشرورها؛ في نقلها لفعاليات اليوم العالمي للفقر الموافق 17 أكتوبر.



أصبحت المشاهد والمناظر المتكررة منذ سنوات اندلاع هذه الأزمات بفضل الفشل في إدارتها وحلها، هي أول ما تلتقطه الوكالات من مراسليها ومصادرها المختلفة دون كبير عناء.



أول ثورة شعبية في التاريخ كانت ثورة الجياع، التي يقال إنها حدثت حينما ثار المصريون ضد الملك بيبي الثاني، حسبما هو وارد في نصوص الأهرام جنوب سقارة في برديت إيبوير، والذي يعتقد المؤرخون أنه هو نفسه فرعون موسى. ويقال إنها نتيجة مجاعة وفقر شديد بسبب انخفاض في منسوب النيل في مصر. وهذه البرديات جاء ذكرها في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) بأنها تصف غرائب ذلك العصر من فقر الأغنياء وغنى الفقراء والفوضى والفقر والقحط وانخفاض المياه وغير ذلك من وصف لمرحلة تاريخية غريبة مليئة بالنكبات تقارب ما وصفته الكتب السماوية عن فترة خروج شعب إسرائيل من مصر.



وغرائب زمان الفرعون المذكورة أضحت شيئا عاديا في عصرنا هذا، كما أن الفقر ما زال على حاله ما دام اقتصاد البلدان المنكوبة يدار بنفس عقلية الملك بيبي الثاني، وما دامت سياسة الإصلاح الاقتصادي تحدث خللا بدلا عن التوازن، بل تغير مسار المعادلات وتؤدي إلى الظلم والقهر الاجتماعي بدلا عن العدل والتعايش السلمي. ما زال الناس ينتظرون تطورا اقتصاديا يسد الحاجة وينعكس إيجابا على مواطني هذه البلدان في تحسين نوعية حياتهم، بما يشمل توفير ضروريات الحياة من غذاء وكساء وعلاج وتعليم.



توصل بعض العلماء إلى أن السبب في تفاقم المجاعات الحديثة هو السياسات الاقتصادية الخاطئة، والتصميم السياسي على إفقار أو تهميش قطاعات معينة من السكان. كما أكدوا على أنه للتحقيق في الظروف السياسية التي بموجبها يتم منع المجاعة تنشيط عملية الاقتصاد السياسي والتركيز على نظرية «العقد السياسي» بين الحكام والشعب لضمان الوقاية من المجاعة، وهي النظرية التي من المستحيل تطبيقها في البلدان المعرضة دوما إلى شبح المجاعات، وذلك لافتقارها لمبدأ الشفافية والمساءلة عن حالات الإفقار والمجاعات التي تتعرض لها شعوبها.



إن هزيمة الفقر ليست من رابع المستحيلات، ففي تجربة دول شرق آسيا تلك الاستراتيجية الفذة التي اعتمدتها دول مثل الهند والصين وماليزيا في تجسيد معناها بإحساس إنساني دافئ، لا ينكر أن هذا الفقر حقيقة ماثلة أمام الأعين يجب الوقوف أمامها وهزيمتها، وفي تركيب مبناها بالإيمان الكامل بأن على الحكومات المختلفة العمل على تبني برامج تقليل الفقر، وعدم الاعتماد الكامل على برامج المنظمات التابعة للأمم المتحدة دون تقديم أي عون لها، هذا إن لم تضع في وجهها العراقيل.



ولا تكون «أهداف الألفية» في أفريقيا وغيرها، والتي حددتها الأمم المتحدة، على قدر من الاستحالة، ولن تكون بمعزل عن تمني أهلها، إذا ما رأى القائمون على إدارة دفة الاقتصاد كما أظهرت التجربة الآسيوية من قبل ضرورة تغيير المعادلات المؤدية إلى الظلم والقهر الاجتماعي. وكما رأت كذلك ألا توازن اجتماعيا متحققا بغير سياسة الإصلاح الاقتصادي والتي من الأصلح أن تتحول من الخطب العصماء إلى الواقع العملي لتدر مكاسب وتطورا اقتصاديا ينعكس إيجابا على المواطنين في تحسين نوعية حياتهم بما يشمل توفير ضروريات الحياة من غذاء وكساء وعلاج وتعليم، ويكون أول المستفيدين من ذلك فقراء الريف والأقاليم الأقل نموا.



[email protected]