محمد العوفي

وزارة المالية تقدح من رأسها!

الخميس - 20 أكتوبر 2016

Thu - 20 Oct 2016

لم تنته بعد حفلة السخرية التي رافقت اعتماد وزارة المالية لأبراج التقويم الشمسي الهجري كبديل للتاريخ الهجري لنزول رواتب موظفي الدولة، وهذه الحفلة ما كان لها أن تكون لو أن وزارة المالية التزمت بالتاريخ الميلادي كحال باقي دول العالم، بما فيها دول خليجية وعربية وإسلامية، وخرج وزيرها في مؤتمر صحفي وعرض الأسباب التي أدت إلى اعتماد التقويم الميلادي، وبين أن ذلك لا يعني التخلي عن التقويم الهجري، وسيتقبل المواطنون التغيير، كما حدث سابقا في تغيير الإجازة الرسمية، وغيرها من التغييرات التي كانت تلقى معارضة قبل إقرارها.



ندرك جميعا أن ما ذهبت إليه وزارة المالية هو احتيال بسيط لتجنب سخط فئة من المجتمع، لكنها لا تريد أن تعترف بذلك، والمفارقة العجيبة أن تقويم الأبراج المعتمد لا يعرفه كثير من موظفي وزارة المالية التي اعتمدته، ولو اختبرت موظفيها في ذلك فلن ينجح إلا القليل منهم، فما بالك بباقي الموظفين، المهم أن وزارة المالية اعتمدت ذلك التقويم، والإجراءات على قدم وساق في الجهات الحكومية لتطبيقه والالتزام به.



وعمليا، أصبح الموظف الحكومي يتعامل ويعامل بثلاثة تقاويم مختلفة، وهو بالمناسبة الموظف الوحيد في العالم الذي يعامل بذلك، فهو يعامل وفق التقويم الهجري في حياته الوظيفية، فخدمته أو عمره الوظيفي يحسب بالتقويم الهجري، بدءا من ولادته، ومرورا بتاريخ تعيينه الوظيفي، ومن ثم ترقياته، وأخيرا تاريخ تقاعده، كلها تحسب وتدون بالتاريخ الهجري، في حين أن راتبه الشهري سيصرف بدءا من هذا الشهر وفقا لأبراج التقويم الشمسي الهجري، رغم أنه لا يعرفه ولم يسبق له التعامل به مطلقا، فيما تسير حياته اليومية ومواعيده مع البنوك والشركات والمستشفيات والخطوط الجوية بالتاريخ الميلادي لدقته.



وحتى مؤسسة التقاعد التي ستصرف له تقاعده مستقبلا، تحاول إقناع الجهات التشريعية باعتماد التاريخ الميلادي سنا لتقاعد الموظف الحكومي، ولكنها تطلبه على استحياء، فهي تطالب برفع سن تقاعد الموظف الحكومي إلى 62 عاما بالهجري على اعتبار أن ذلك يعادل 60 عاما بالتاريخ بالميلادي الذي تنبي عليه دراساتها الاكتوارية.



اللخبطة الحالية التي يمر بها الموظف الحكومي إداريا وماليا وإجرائيا، إذا ما أضفنا تعدد سلم رواتب الموظفين الحكوميين حتى تجاوزت أصابع اليد الواحدة، فهناك سلم رواتب الموظفين العام، وسلم آخر لرواتب بند الأجور، وثالث لرواتب العقود، ورابعا لرواتب موظفي الهيئات وكادرهم، وسلم خامس للمعلمين ومن في حكمهم، والقائمة تطول وتطول، فإن ذلك يوحي لك أن التفكير خارج الصندوق في بعض الأحيان يكون مضرا، وأن ليس كل قدحة من الرأس على صواب، على سبيل المثال (قداحة أبراج التقويم الشمسي)، كما أن ذلك ينم عن فوضى كبيرة في الوظيفة العامة، وعدم وضوح لدى وزارتي المالية والخدمة المدنية فيما يخص معالجة كثير من تشوهات الوظيفة العامة.



صراحة، حاولت أن أفهم وجهة نظر وزارة المالية في اعتماد أبراج التقويم الشمسي الهجري كبديل للتاريخ الهجري لنزول رواتب موظفي الدولة، فوجدت أنها عصية على الفهم، فنحن نبيع نفطنا على دول تعتمد التقويم الميلادي، ونتعامل معها كتابيا وماليا بالتاريخ الميلادي، وراتب الموظف يصرف من عائدات البترول، لماذا كل هذه اللخبطة؟



عطفا على ما سبق، أعتقد أن وزارتي المالية والخدمة المدنية ستدركان حجم هذه اللخبطة مستقبلا، وستتجهان إلى إعادة دراسة كل ما يتعلق بحياة الموظف الحكومي (العام)، وتوحيد إجراءاتهما باعتماد أحد هذه التقاويم رسميا لإتمام إجراءاته الوظيفية، ومعاملاته المالية والإدارية داخل جهة عمله، فإما أن تعتمد التقويم الجديد (تقويم الأبراج) في كل ما يتعلق بحياة الموظف الحكومي، أو تعتمد التقويم الميلادي، لتحل هذا التداخل واللخبطة اللذين سيمر بهما بدءا من أول يوم في الوظيفة حتى تقاعده.



[email protected]