مصر والسعودية والمثقفون المصريون
الأربعاء - 19 أكتوبر 2016
Wed - 19 Oct 2016
يظهر أن ثمة خلافا سياسيا بين السعودية ومصر في ملفات كثيرة من ملفات المنطقة، ولسنا في معرض الحديث عن هذا الخلاف وأسبابه ومظاهره وتداعياته ومآلاته، فهذا حديث سياسي يتولاه خبراء التحليل السياسي، وربما أجمع كلمة في توصيف سبب ما يحدث ما قاله المحلل السياسي د. خالد الدخيل «مصر نتيجة لحالة الضعف التي تعاني منها يتملكها هاجس غريب من تنامي دور للسعودية، ترى أنه سيكون على حساب دورها القيادي الذي أمسكت بزمامه حتى عام 1967م».
هذه الخشية التي ذكرها د. خالد الدخيل ليست خاصة بالحالة السياسية، فقد ارتفعت شكوى جمهرة من المثقفين المصريين من تراجع الدور القيادي الديني للأزهر لصالح السعودية، وارتفع ضجيجهم من غزو وهابي سلفي لمصر، فالروائي جمال الغيطاني يرى أن المد الوهابي السعودي أشد خطورة على مصر من الاحتلال الإسرائيلي، والروائي علاء الأسواني يرجع مصائب مصر حتى قضية التحرش بالنساء إلى الغزو الوهابي، ومثله اشتكى مرارا وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، وقلدهم في هذا الصحفي إبراهيم عيسى، فهو لا يترك مناسبة دون الشكوى من تأثير السعودية الوهابية دينيا على المجتمع المصري.
والسؤال: هل ثمة تأثير ديني سعودي حقيقي على المجتمع المصري، أو هي هلوسات شوفينية كما هي عادة المثقفين المصريين في رؤيتهم لمصر ومكانة مصر وثقافة مصر وحضارة مصر؟
لا يملك المراقب المحايد إلا الإقرار بوجود تأثير كبير جدا للثقافة الدينية السلفية السعودية في المجتمع المصري، لكن ما يجب ملاحظته هنا أمران، الأول: أن هذا التأثير لم يكن قسرا من خلال غزو أو مؤامرات، بل هو من نتائج ما يسمى بالقوة الناعمة للسعودية، إذ إن الجالية المصرية في السعودية اليوم تقدر بمليوني مصري، ويقدر عدد المصريين الذي عملوا في السعودية منذ السبعينات إلى اليوم بـ 17 مليون مصري، ولا شك أن جزءا منهم تشرب العادات والتقاليد والثقافة الدينية السعودية وكان لهم تأثير كبير بعد عودتهم في المجتمع المصري.
الأمر الثاني: مما يلحظ على تلك النخبة من المثقفين المصريين أنهم يتعاملون مع الثقافة والفكر والدين على أنها أمور متعالية على الواقع، فهي لمن سبق في اكتسابها، وتظل إرثا أبديا مهما تغيرت الواقع، فبما أن مصر لها عمق حضاري ضارب في أعماق التاريخ لا يضاهيه أي قطر عربي، وبما أنها أول دولة عربية تنخرط في الحضارة المعاصرة، وبما أن رواد الثقافة العربية في الأدب والفن والصحافة من مصر، وبما أن فيها الأزهر المؤسسة الدينية العريقة التي خرجت آلافا من علماء الدين، فبكل هذه الأمور استحقت مصر -في اعتقادهم- أن تكون هي المؤثرة الوحيدة -وإلى الأبد- في الدول العربية.
حقا لا ينكر أحد ريادة مصر وعمقها الحضاري وتوفر إمكانات النهضة المادية والبشرية فيها، لكن واقع مصر منذ السبعينات آخذ في التقهقر، وكان على نخبتها المثقفة البحث عن أسباب ذلك، وطرح الحلول بدلا من الصراخ والضجيج والبحث عن مؤامرات تحاك ضد مصر، ولسان حالهم قول العربي القديم «أوسعتهم شتما وساروا بالإبل».
لا يمكن أن يكون تأثير مصر اليوم كتأثيرها في الخمسينات، إذ إن واقعها اليوم لا يؤهلها لذلك، ففي إحصائية صادرة من اليونسكو أظهرت أن نسبة الأمية بين الذكور في مصر 42% من السكان الذكور، ونسبتها بين الإناث 53%، وقال حلمي النمنم وزير الثقافة إن مصر تصنف من الدول التي ترتفع فيها نسبة الأمية على مستوى العالم، وتصل إلى 40%، وفي إحصاءات الفقر ذكر د. مدحت نافع الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل أن نسبة الفقر في مصر إذا تم حسبتها وفقا لخطوط الفقر العالمية ستتخطى نسبة الـ 50%، وبلغ إجمالي الدين العام الداخلي 2.49 تريليون جنيه بنهاية مارس 2016م، أما الدين الخارجي فبلغ 53.4 مليار دولار بحسب تقرير البنك المركزي المصري.
يضاف إلى هذا أن الدولة العربية الأخرى تغير واقعها ثقافيا واقتصاديا، فمن البدهي أن يقل تأثير مصر عليها، وربما يصاب المثقف المصري بالصدمة حينما يعلم أن جيل الشباب اليوم في السعودية مثلا لا يعرف إلا قلة نادرة من أسماء الممثلين المصريين، وهو يحفظ عن ظهر قلب أسماء الممثلين الأمريكيين والهنود، وكنا في جيلي نحفظ أسماء الممثلين المصريين الكومبارس.
[email protected]
هذه الخشية التي ذكرها د. خالد الدخيل ليست خاصة بالحالة السياسية، فقد ارتفعت شكوى جمهرة من المثقفين المصريين من تراجع الدور القيادي الديني للأزهر لصالح السعودية، وارتفع ضجيجهم من غزو وهابي سلفي لمصر، فالروائي جمال الغيطاني يرى أن المد الوهابي السعودي أشد خطورة على مصر من الاحتلال الإسرائيلي، والروائي علاء الأسواني يرجع مصائب مصر حتى قضية التحرش بالنساء إلى الغزو الوهابي، ومثله اشتكى مرارا وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، وقلدهم في هذا الصحفي إبراهيم عيسى، فهو لا يترك مناسبة دون الشكوى من تأثير السعودية الوهابية دينيا على المجتمع المصري.
والسؤال: هل ثمة تأثير ديني سعودي حقيقي على المجتمع المصري، أو هي هلوسات شوفينية كما هي عادة المثقفين المصريين في رؤيتهم لمصر ومكانة مصر وثقافة مصر وحضارة مصر؟
لا يملك المراقب المحايد إلا الإقرار بوجود تأثير كبير جدا للثقافة الدينية السلفية السعودية في المجتمع المصري، لكن ما يجب ملاحظته هنا أمران، الأول: أن هذا التأثير لم يكن قسرا من خلال غزو أو مؤامرات، بل هو من نتائج ما يسمى بالقوة الناعمة للسعودية، إذ إن الجالية المصرية في السعودية اليوم تقدر بمليوني مصري، ويقدر عدد المصريين الذي عملوا في السعودية منذ السبعينات إلى اليوم بـ 17 مليون مصري، ولا شك أن جزءا منهم تشرب العادات والتقاليد والثقافة الدينية السعودية وكان لهم تأثير كبير بعد عودتهم في المجتمع المصري.
الأمر الثاني: مما يلحظ على تلك النخبة من المثقفين المصريين أنهم يتعاملون مع الثقافة والفكر والدين على أنها أمور متعالية على الواقع، فهي لمن سبق في اكتسابها، وتظل إرثا أبديا مهما تغيرت الواقع، فبما أن مصر لها عمق حضاري ضارب في أعماق التاريخ لا يضاهيه أي قطر عربي، وبما أنها أول دولة عربية تنخرط في الحضارة المعاصرة، وبما أن رواد الثقافة العربية في الأدب والفن والصحافة من مصر، وبما أن فيها الأزهر المؤسسة الدينية العريقة التي خرجت آلافا من علماء الدين، فبكل هذه الأمور استحقت مصر -في اعتقادهم- أن تكون هي المؤثرة الوحيدة -وإلى الأبد- في الدول العربية.
حقا لا ينكر أحد ريادة مصر وعمقها الحضاري وتوفر إمكانات النهضة المادية والبشرية فيها، لكن واقع مصر منذ السبعينات آخذ في التقهقر، وكان على نخبتها المثقفة البحث عن أسباب ذلك، وطرح الحلول بدلا من الصراخ والضجيج والبحث عن مؤامرات تحاك ضد مصر، ولسان حالهم قول العربي القديم «أوسعتهم شتما وساروا بالإبل».
لا يمكن أن يكون تأثير مصر اليوم كتأثيرها في الخمسينات، إذ إن واقعها اليوم لا يؤهلها لذلك، ففي إحصائية صادرة من اليونسكو أظهرت أن نسبة الأمية بين الذكور في مصر 42% من السكان الذكور، ونسبتها بين الإناث 53%، وقال حلمي النمنم وزير الثقافة إن مصر تصنف من الدول التي ترتفع فيها نسبة الأمية على مستوى العالم، وتصل إلى 40%، وفي إحصاءات الفقر ذكر د. مدحت نافع الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل أن نسبة الفقر في مصر إذا تم حسبتها وفقا لخطوط الفقر العالمية ستتخطى نسبة الـ 50%، وبلغ إجمالي الدين العام الداخلي 2.49 تريليون جنيه بنهاية مارس 2016م، أما الدين الخارجي فبلغ 53.4 مليار دولار بحسب تقرير البنك المركزي المصري.
يضاف إلى هذا أن الدولة العربية الأخرى تغير واقعها ثقافيا واقتصاديا، فمن البدهي أن يقل تأثير مصر عليها، وربما يصاب المثقف المصري بالصدمة حينما يعلم أن جيل الشباب اليوم في السعودية مثلا لا يعرف إلا قلة نادرة من أسماء الممثلين المصريين، وهو يحفظ عن ظهر قلب أسماء الممثلين الأمريكيين والهنود، وكنا في جيلي نحفظ أسماء الممثلين المصريين الكومبارس.
[email protected]