مفلح زابن القحطاني

وداعا.. «عندليب اللغة»

الاحد - 16 أكتوبر 2016

Sun - 16 Oct 2016

فقدت الأوساط الثقافية والعلمية في العالم العربي نجما من نجوم اللغة العربية، وأحد أهم حراسها الحقيقيين، وأبرز جنودها المخلصين، وهو اللغوي والشاعر والإعلامي المبدع فاروق شوشة، الأمين العام لمجمع اللغة العربية في القاهرة.



شوشة أنفق نحو 60 حولا في خدمة اللغة العربية، دارسا قواعدها وفنونها دراسة أكاديمية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ثم مقدما للعديد من البرامج الإعلامية، ومسهما في تقديم اللغة العربية بصورة حية مبسطة مقبولة عند الجميع، يسعفه في ذلك صوته الجميل وأسلوبه الهادئ، واعتماده على مجموعة من الأدوات الشخصية والعلمية التي جعلت منه فارسا من فرسان اللغة العربية المقبولين والبارزين.



فاروق شوشة فاق تأثيره في عدة أجيال أثر المدارس التي تعلم اللغة العربية وتقدم قواعدها، وفاق مجموع جهد عشرات أو قل مئات أساتذة الجامعات المتخصصين في علوم اللغة العربية، لأدوات وأسباب خاصة توافرت لفاروق شوشة.



لم يكن فاروق شوشة بخدمته للغة العربية متاجرا أو مزايدا، وإنما انطلق هذا الفارس لتحقيق هذه الرسالة مؤمنا بأن هذا واجب ديني ووطني واجتماعي يجب النهوض به، فتجاوز في هذا أن يطلب الدنيا أو المنصب، وانبرى لهذه المهمة العظيمة عقودا عديدة دون كلل أو ملل.



ولم يكن شوشة ذلك الإنسان الذي لا يعرف من اللغة إلا قواعدها الجافة وأحكامها المعيارية الحادة، والقوانين الصارمة، وإنما كان رجلا مبدعا وشاعرا مميزا، فأضفت عليه هذه الروح الشاعرية والاستعمالية للغة العربية بكل مكوناتها وأساليبها وما أتيح لمستعملها من إمكانات وطاقات ومرونة وقدرة على العدول في الاستعمال تتميز بها اللغة أن يقدمها بصورة تعكس جمالها وحلاوة أساليبها، وما تتسم به من إمكانات وطاقات وسمات يمكن أن تؤكد عظمة هذه اللغة وتعبر عن سهولتها ومرونتها وقدرتها على التماهي مع كل زمن والتفاعل مع كل مستجد.



لم يكن فاروق شوشة ممن يتربح بخدمة اللغة العربية أو يترقى بالكتابة عنها وفيها وحولها، أو من ينتهز الفرصة ليرتقي على أكتاف هذه اللغة وهذا التراث دون أن يكون له جهد أو رؤية يمكن أن تسهم في خدمة اللغة العربية خدمة حقيقية وصادقة، ولذا كان هذا الرجل طيلة حياته حارسا أمينا للغة العربية، وجنديا مخلصا لها.



مدرسة «شوشة» في خدمة اللغة العربية بما اعتمدت عليه من أدوات وأساليب هي الطريق الممكن لإيصال جمال هذه اللغة إلى النفوس، وعكس الصورة الحقيقية لها، فقط نحتاج إلى أن يكون للتقنية الحديثة حضور في هذا الجانب، وبعيدا عن طرائق تدريسنا لهذه اللغة، وهي الطرائق التي أثبتت عدم نجاحها، وبعيدا عن «فذلكة» و»تقعر» و»جمود» البعض، ممن يقومون على تدريس هذه اللغة والبحث فيها؛ فلغتنا تحتاج إلى قدر كبير من الإخلاص والصدق في تقديمها، وتحتاج إلى مثل تلك الروح المبدعة الجميلة.



[email protected]