عبدالعزيز الخضر

وزير التعليم .. في مرحلة استثنائية

السبت - 15 أكتوبر 2016

Sat - 15 Oct 2016

لو أردنا وضع تصميم مسبق لسيرة مسؤول يقود التعليم، ليعايش ما يحتاجه من اطلاع للوعي بواقعه واحتياجاته وصعوباته، وفق المتاح من تطور الخبرات العلمية والإدارية في المجتمع، بحيث تكون تجربته الشخصية أخذت زمنها بكل تعرجاته في عمق تحولات التعليم السعودي والصراعات الفكرية والإدارية فيه، ومعايشة كثير من العيوب في مسار التعليم، وتأثيره على مسار التنمية خلال العقدين الأخيرين، والمشاركة مع العديد من الأصوات التي تطالب بمعالجة الخلل، لكان هو وزير التعليم اليوم. ويوم السبت الماضي صدر أيضا قرار خادم الحرمين الشريفين بأن يكون وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.



وبهذا القرار يكون تعليمنا العام والعالي والتقني له مرجعية واحدة، وهي لحظة إدارية استثنائية تاريخية، يمكن من خلالها تحقيق الإنجاز على مستوى الرؤى الكلية للوطن واتساقها. ما يميز هذه المرحلة أن معالي الوزير نفسه لديه التصور الكافي عن كل هذه المسارات عمليا، وكما يقال «يعرف البير وغطاه» من خلال مسيرته المهنية، وما يميز تجربته أيضا أنه عايش بدايات مرحلة الشعور بظهور الخلل منذ منتصف التسعينات، والبدء في عدد من محاولات الإصلاح بأساليب وقرارات وتجارب متنوعة، بعضها اتضح سريعا عدم قدرتها على تصحيح الوضع، بل وكانت جزءا كبيرا من تسريع عملية التراجع لمستوى التعليم، بسبب الانشغال بالعناوين البراقة الموجهة للإعلام، واكتشفنا بعد أكثر من عقد خطأ بعض القرارات، وتم العودة عنها في السنوات الأخيرة، وكل هذه المحاولات غير الموفقة جاءت مع استمرار ترهل التعليم واتساعه الأفقي.



ومنذ عقدين تواصل أزمة التعليم تطورها عالميا، فليس بالضرورة أن يكون ظهور الخلل بسبب تقصير وإهمال بقدر ما أن نوعية تحديات التعليم تغيرت، وتعبر عن مأزق كوني يواجه جميع دول العالم، مع تسارع التقنية واختراقها بنية المجتمعات، وإعادة تموضع مختلف قوى التوجيه، وتأثر بذلك دور السلطات بمختلف أنواعها في المجتمع. فتعليمنا في السبعينات والثمانينات كان في كثير من ملامحه متجاوبا مع عصره، لكن في التسعينات بدأت تظهر معه إشكاليات تسارع العصر مع تطور الكمبيوتر ثم ظهور النت وتطوراته التي لا تزال مستمرة.



الحديث عن التعليم قابل لأن يكون كلاما إنشائيا ضخما مكسوا بالشعارات والوعود، فالحكي عن أهمية التعليم مخدوم بجمل نمطية منسوخة، عبر الحديث عن أجيال المستقبل أو مديح المعلم، أو مراكز العلم ودورها الوطني حسب المناسبة، وذاكرة أي متابع لمشكلات التعليم معبأة بهذه الخطب والمقالات التي تتبخر سريعا، ولا يمكن القبض على شيء محدد منها.



ومهما كان نوع التحدي وضخامته فإن الطموحات يجب أن تكون واقعية، وذات خطوات تدرجية، ولهذا لا يطالب أي وزير بتغييرات انقلابية في أي مكان بالعالم، ولكن يقاس أداؤه بقدرته على ترك حزمة إصلاحية معينة في جوانب ذات أولية، فما هو الممكن وغير الممكن فعله لتحسين مستوى التعليم ومخرجاته؟!



هناك أكثر من مستوى للنظر في نوعية التغيير، بعضها يحتاج إلى زمن طويل، فمجرد الرغبة والقرار لا يحلها بعصا سحرية، ومثل هذا ما يتعلق بالبنية التحتية للتعليم والمنشآت وتوفيرها مع الزيادة المستمرة، وهناك ما يتعلق بالهموم الإدارية التي توجد في أي بيئة عمل، وتختلف وجهات النظر في حلها. وهناك مستوى آخر يمكن من خلاله التصحيح بقرارات نوعية، فيما يتعلق بوضع المعلم، وساعات اليوم الدراسي ومحتوى ما يقدم للطلاب، فهناك جزء كبير قابل للتصحيح بعلاج موضعي، وبقرارات لا تربك مسيرة العمل، وبالوقت نفسه يتم من خلالها تصحيح تدريجي. هذه المشكلة لا يمكن أن تحل من داخل ذهنية بيئة العمل نفسها فقط، وإنما برؤى ممزوجة من عدة خبرات من نخب المجتمع لكشف نوعية الخلل والهدر وتحسينه، فهناك أشياء كثيرة تستحق النقاش في ساعات اليوم الدراسي والمناهج بعيدا عن حكاية المحافظين وغيرهم والمعارك التي تشيطن النوايا.



فلو أخذت مادة الحاسب الآلي كمثال لوجدت فيها من الهدر الشيء الكثير والعبثي، الناتج من خلفية قرارات تمت في التسعينات عندما كان جهاز الكمبيوتر الشخصي شيئا نخبويا للمؤسسات والشركات. وإعادة النظر في تعدد الكتب للمادة الواحدة وجدواها، لأنه في الواقع العملي تشتيت لذهنية الطالب. وهناك تحد جعل الذهاب إلى المدرسة شيئا محبوبا، وإن لم ننجح بهذا فعلى الأقل التخفيف من كراهية الطلاب للدراسة عبر تحسين بيئة اليوم الدراسي نفسه بعدة أساليب مهما كانت نوعية المبنى وحجمه، وهذا هو أحد مجالات الإبداع المنتظرة.



أما في مجال التعليم العالي والتقني فهذا له تحديات من نوع آخر، هي أقل تشعبا من التعليم العام، لكنها أصعب في تحديد نوعية التصحيح المطلوب، واليوم جميع هذه الأمور أصبحت ذات مرجعية واحدة في النظام، ولم يعد مقبولا سماع شكوى كل جهة من سوء مخرجات الجهة الأخرى.. كأحد أساليب تبرير الخلل!



[email protected]