الكفالة.. أسوأ من نظام العبودية!

الخميس - 13 أكتوبر 2016

Thu - 13 Oct 2016

أقرأ هذه الأيام عن التغيرات التي تجريها دولة قطر على قوانين وأنظمة العمل والعمال فيها ونظام الكفالة، مما أعاد إلى ذهني ذكريات مؤلمة وحزينة في هذا المجال عشتها ولا أزال لنحو 28 عاما في موضوع الكفالة والكفلاء بحكم وضعي كرئيس تحرير لأكبر صحيفتين صادرتين باللغة الإنجليزية في المملكة العربية السعودية.



وقد تسلمت رئاسة تحرير الحقيقة «الخضراء» وهي صحيفة عرب نيوز لأكثر من 25 عاما ثم عامين رئيسا لتحرير صحيفة سعودي جازيت.



وتمثل الصحيفتان المذكورتان متنفسا للمقيمين، يكتبون فيهما عما يلاقونه من تعنت وظلم من بعض الكفلاء السعوديين، وأقول بعض وليس كل السعوديين، فهناك كفلاء سعوديون ينضحون إنسانية ورحمة. وطوال تاريخهما دأبت صحيفتا عرب نيوز وسعودي جازيت على نشر رسائل المعذبين من العمال الأجانب وتقديم النصح والمشورة لهم لرفع الظلم الواقع عليهم من كفلائهم.



وكان المواطنون السعوديون والعمال الأجانب على حد سواء ولا يزالون يكتبون للصحفيتين طلبا للدعم والمساعدة والحصول على الرأي القانوني الصائب في كل ما يحتاجونه من أمور.



وكانت معظم الرسائل التي يبعث به العمال الأجانب إلى باب بريد القراء تدور حول بيئة العمل، وشروطه، وإلغاء العقود بشكل مخالف للقانون، والفصل من العمل، والاتهامات الملفقة وغيرها من مظالم.



ولم تقتصر شكاوى المقيمين على مؤسسة دون أخرى، ولكن شملت الكثير من الشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء.



وربما تكون الشركة منصفة وعادلة لكن الجزء المظلم فيها يجيء من التصرفات غير المسؤولة وغير المنطقية التي يأتي بها بعض موظفي إدارة الموارد البشرية.



ولما لم يجد هؤلاء العمال، خاصة من الناطقين باللغة الإنجليزية، ملاذا يلجؤون إليه وجدوا ضالتهم في الصحيفتين لبث شكاواهم ومظالمهم، ومن هنا جاء احتكاكي الوثيق ومعايشتي القريبة لقضايا العمال والعاملين. حيث دوما ما كانوا يطلبون بأن تكون الحكومة هي البديلة.



وقد أجمع الوافدون على ضرورة إلغاء نظام الكفيل وطالبوا بإعادة النظر فيه لضمان حقوقهم القانونية والإنسانية.



وكتب أحد العمال الآسيويين قائلا (إن نظام الكفالة أسوأ من نظام العبودية الذي ألغاه العالم منذ سنوات طويلة)، وأضاف: إننا بمثابة عبيد عند الكفيل لا نستطيع الحركة أو السفر دون موافقته وأحيانا حسب مزاجه، فنحن سجناء عنده بكل ما لهذه الكلمة من مساوئ وتداعيات.



وكتب آخر يقول إن الكفيل قد يطلب منهم أحيانا العمل في أماكن أخرى، وعند ناس آخرين دون أن يكون لهم حق الرفض أو الاعتذار.



وقد امتلأ صندوق بريدي الخاص بالرسائل الواردة من المقيمين أيام كان البريد هو وسيلة التواصل الوحيدة المتاحة، وعندما جاء زمن الانترنت امتلأ بريدي الالكتروني في الصحيفتين برسائلهم الالكترونية.



ومن القصص المؤلمة ما حكاه لي أحد الأطباء الهنود الذي قال إن كفيله منعه من السفر لمدة أربع سنوات متواصلة، فقد أخذ إقامته واحتفظ بجواز سفره وجعله يعيش مشردا.



وقال هذا الطبيب المرموق إنه لم يستطع حضور حفل تخريج ابنه البكر في الجامعة كما لم يتمكن من حضور جنازة عمته أو أخذ العزاء فيها.



وقال الطبيب بمرارة مؤلمة: إن هذا الكفيل قد سرق أربع سنوات كاملة من عمري.



للأسف الشديد وأنا أتناول موضوع الكفالة في هذا المقال، هناك عامل من الجنسية الهندية عاش في هذه البلاد قرابة 35 عاما وله الآن أكثر من 45 يوما قابع في سجن «الشميسي» إثر بلاغ كيدي من كفيله، وهذا الشخص أعرفه جيدا وتابعت موضوعه قبل دخوله الترحيل، وهو مريض بالسكري، ولم يتلق العلاج طوال هذه المدة، فبالله عليكم كيف سيكون حال شخص مريض بالسكري طوال هذه المدة دون علاج؟!! أتمنى من الإخوة في حقوق الإنسان متابعة هذا الأمر، وكذلك أدعو أصحاب القلوب الرحيمة مده بالعلاج إن كانت لديهم طريقة لإيصال العلاج إليه.



إنني أثق بأن بلادنا هي بلاد العدل والأمان، وأن قادتها وشعبها لا يريدون الظلم لأي أحد، وأن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تعمل ما في وسعها لإنصاف أي عامل مظلوم.



وأود أن أقول لهؤلاء العمال إن اللغة لا يجب أن تكون حاجزا أمامهم للحصول على حقوقهم كاملة فمكاتب العمل واللجان العمالية في كل مناطق المملكة مفتوحة أمامهم.



وبحمد الله فقد أصبحت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بقيادة وزيرها الفاضل مفرج الحقباني على وعي كامل بفرية بلاغات الهروب التي يلجأ إليها بعض الكفلاء من ذوي النفوس الضعيفة للانتقام من مكفوليهم أو حرمانهم من حقوقهم القانونية.



وليس من حق أي إنسان مهما كان وضعه أو مكانته أن يستعبد إنسانا آخر في هذه الحياة، فكلنا مخلوقات متساوية لله، لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات، وإذا أردنا أن تتحقق العدالة فعلينا إلغاء نظام الكفالة فهو نظام للاستعباد لا أقل ولا أكثر، ويجب أن تكون الكفالة تحت إشراف الحكومة مباشرة.