الشاهنشيعية

الأربعاء - 12 أكتوبر 2016

Wed - 12 Oct 2016

هذه المقاربة ليست التباسا تاريخيا أو للتجني، فما بين الزمنين ظلت إيران نفسها تتنقل ما بين الأطماع الفارسية في المنطقة زمن الشاهنشاهية أو الفهلوية، وبين نظام الملالي الذي ظلت أضغاث أحلام تصدير الثورة تراود أباطرته المعممين بالسواد عبر تصدير الأزمات والصراعات في المنطقة، وإذكاء الفتن الطائفية والمذهبية، والإمعان في مخطط التفكيك وشرذمة الأمة.



ووظفت في ذلك خبراتها الطويلة في صناعة الفوضى عبر المال السياسي القذر والسلاح، واخترقت تدخلاتها الخارطة الجيوسياسية للمنطقة العربية في لبنان وسوريا واليمن وحتي فلسطين، عبر أذرع وجماعات ومؤسسات وظفتها وأضحى عدد منها يعمل بالوكالة، وتحولت بعض الأقاليم إلى حديقة خلفية لطهران وساحة للرماية، ورفعت شعارات التقية السياسية تحت عنوان العداء لإسرائيل التي ظلت بمأمن من هذا العداء كما الشيطان الأكبر أمريكا.



في لبنان ستجد ملامح هذه الفوضى جلية في كيان لا يعيش اليوم حالة فراغ سياسي أو رئاسي فقط، بل وجودي بعدما بدت الطائفية المقيتة التي ترعاها طهران تطل برأسها وتهدد البلد الصغير الذي خرج موحدا باتفاق الطائف الشهير الذي رعته المملكة العربية السعودية، وأعاد للبنان وحدته كوطن للجميع وليس للطوائف، وأنهى عقودا من الحرب الأهلية المدمرة، لكن المشروع الإيراني ظل يلاحق هذا الاستقرار ويضرب كل أسبابه، وصولا إلى الزج بلبنان في أزمات المنطقة عبر أذرع إيران التي استقوى بها الحزب الإيراني على الدولة المركزية، وأصبح كبيضة القبان في التوازنات الداخلية رغم صدحه بلبنانيته، لكن إيران هي صاحبة الكلمة العليا، وهي من تفرض ملامح المستقبل السياسي للبنان.



مشهد «اللبننة» هذا ستجده في فلسطين، فالسلاح الإيراني هناك ليس للقتال، بل نقطة عسكرية وذراع متقدم لطهران في المنطقة لصالح أطماعها، وللتأشير على حجم امتدادها وتأثيرها. فتحرير فلسطين الذي ظل يمر من فوق أجساد أطفال درعا والحسكة والرقة سحق أطفال غزة، لذلك لن تجد في فلسطين مستشفى أو مدرسة أو مسجدا بني بالمال الإيراني، في المقابل ستجد هناك العديد من المشاريع لدول التعاون الخليجي.. ستجد طرقا ومساجد وبيوتا عمرت وبنيت بالمال السعودي كواجب عربي أصيل طالما مثلته المملكة، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي عام 2014، وستجد مصالحة انقلب أصحابها بفضل التأثير الإيراني بعدما جمعتهم المملكة عند بيت الله الحرام لإنهاء حالة الانقسام بين الفرقاء، حركتي فتح وحماس.



ما يجري اليوم هو محاولة لسلخ الخارطة السنية ـ إن صح التعبير ـ تحت هذه الأطماع من خلال استلاب الكيانات والإرادات السياسية، وتفخيخ الاستقرار. والعراق النموذج الماثل والحي للدور الإيراني المتعاظم على حساب الجغرافيا والأشلاء والضحايا، لتصبح بغداد حاضرة فارسية أو شيعية، الأمر سيان، وتمددت فيها طهران ليظل مصيرها مرهونا بالتقسيم الطائفي أو المناطقي أو الحياة كدولة فاشلة تحت الملالي الإيرانية.



إنقاذ اليمن وسوريا اليوم من ذات المصير هو المعركة الشجاعة التي تخوضها المملكة العربية السعودية على جبهة الحزم والسياسة في مواجهة الإرهاب الإيراني الداعشي الممتد، والذي يحيق بالخارطة العربية والإسلامية.