منى عبدالفتاح

خربشات على الجدران

الأربعاء - 12 أكتوبر 2016

Wed - 12 Oct 2016

أخذت الجهات التعليمية في المملكة على عاتقها توجيه رسائل إرشادية للتوعية والحد من تفاقم ظاهرة الكتابة على الجدران. ولأن الظاهرة تجمع بين نقيضي أذى الآخر والطرافة، فإن الرأي العام يقف حيالها مكتوف الأيدي، خصوصا أن منفذيها يمارسونها على عجل ويستترون عن الأعين بشكل لا يمكنهم حتى من التدقيق اللغوي والإملائي، هذا مع إمكانية تصنيف مستوى تعليمهم في الحد الأدنى من السلم التعليمي، كما تكشف الكتابات المختلفة بعض الميول الرياضية ومدى التعصب القبلي.



وبالرغم من تأكيد الإدارات العامة للتربية والتعليم بمناطق المملكة المختلفة على أهمية محاربة ظاهرة الكتابة على جدران المدارس، فإن المدارس بالذات هي ما تبقى لهواة الكتابات الحائطية بعد أن تم وضع رقابة صارمة على المساجد، التي كانت تحتل المرتبة الثانية من حيث حدة تشويه جدرانها. وقد تتحول جدران مدرسة ما إلى ساحة معركة بين الطلاب، وتشهد شدا وجذبا وردودا على كتابات متبادلة بأخرى قد تصل إلى الأسوأ، ومعركة أخرى تدار بين الطلبة وكتاباتهم وإدارة المدرسة من ناحية أخرى.



أما جدران المنازل في الأحياء السكنية فقد تلاشت منها هذه الظاهرة نسبيا، فيما عدا الأحياء الشعبية التي تزخر أزقتها بشتى أنواع التعليقات والألفاظ التي قد تخرج عن سياق الآداب العامة. أحد الأسباب التي أنجت جدران المنازل من هذا التشويه المتعمد، هو الاتجاه في العقد الأخير إلى استخدام الحجر كمادة أساسية لجدران المباني، مما يصعب عملية الكتابة عليه.



والملاحظ أن هذه الهواية لا تقتصر على الشباب فقط وإنما للفتيات نصيب منها، فبينما يقدم الشباب على ممارستها على الطرقات والجدران العامة، فإن الفتيات يخطن كتاباتهن على جدران دورات مياه المدارس، أو تلك التابعة للاستراحات على الطرق السريعة. وتأتي الكتابة غالبا للذكرى والتاريخ، يسبقها، ربما، مقاطع من الشعر مجهول المصدر، أو أغان لمطربين شباب، ومشفوعة باسم المنطقة التي أتت منها الفتاة.



والكتابة على الجدران ظاهرة عامة، فقد عرف عن الإنسان الأول لجوؤه إلى الكتابة على جدران الكهوف، معبرا عن طموحاته وعن سجل حياته، فالنقوش والرسومات ساعدت في التعرف على المناطق الأثرية، وفي بعض الأحيان تحكي تلك النقوش أو الرسوم تاريخا معينا قد يسلط الضوء على لغات معينة، كاللغة الهيروغليفية، التي لا يزال العلماء حتى الآن يعملون على فك طلاسمها للتعرف على حضارات الأمم السابقة وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم.



وبالنظر إلى الحقائق التي تتكئ على أن الكتابة على الجدران قديمة جدا، نجد أن الكهوف وجداريات الفراعنة قد احتوت منذ آلاف السنين على رسومات تعكس الثقافة والحضارة والنشاطات الاجتماعية في تلك الفترة، إلا أن الاختلاف هو في أن التدوين بشكل خاص كان يقتصر على شيئين رئيسيين هما الوسيلة، والفئة المعبرة عن ذلك. وبالنسبة لبدائية الحياة فقد اقتصر التدوين على الجدران لفقر الوسائل، وهذه الجدران كانت أثمن ما يمكن التدوين عليه من قبل فئة محدودة، وهي فئة زعماء وحكام ذاك العصر.



أما الآن فإن تحويلها كما يتم على المستوى العالمي إلى ما يسمى بفن الجرافيتي، لا يعدو أن يكون سوى تجميل لشيء قبيح في الأصل. ومن وجهة النظر القانونية في بعض الدول الغربية تصنف تحت بند التخريب المتعمد للممتلكات، حيث يعاقب مرتكبوها.



بالرغم من أن استيعاب هذه الخربشات تحت بند الجرافيتي، وبالرغم من تحقيقه نسبة من القبول كفن في بداياته، فإن الواقع يثبت عدم ارتقاء هذه الظاهرة إلى الاستحسان الكامل. فالأداة قد تتطور من قطعة فحم إلى نوع من أنواع الأصباغ الرخيصة، ولكن تظل الموهبة فقيرة، ومسرحها عبثي بامتياز.



[email protected]