سليمان الضحيان

هيئة كبار العلماء والتحديات الخارجية

الأربعاء - 12 أكتوبر 2016

Wed - 12 Oct 2016

في البدء أدرك أن عصر المرجعيات الدينية الجامعة لكل فئات المجتمع في أي دولة انتهى إلى غير رجعة، إذ إن وسائل الإعلام اليوم ووسائل التواصل الحديثة ساهمت في تضاؤل حضور المؤسسات الدينية الرسمية، وساعد على هذا كثرة التوجهات والتيارات والحركات الإسلامية، فأصبح لكل تيار أو توجه أو حركة علماؤها، بالإضافة إلى نشوء طبقة كبيرة جدا من العلماء المستقلين الذين أصبح بمقدورهم التواصل مع الجمهور من دون أن يشغلوا منصبا دينيا.



ولكن مع انتهاء عصر المرجعيات الدينية الرسمية الجامعة فإن هذا لا يعني انتهاء حضورها خاصة في بلد إسلامي كالسعودية، فالمؤسسة الدينية الرسمية في السعودية ممثلة بهيئة علماء السعودية ينظر إليها داخليا وخارجيا على أنها الناطقة باسم الدين وتعاليمه، وكل ما يصدر عنها من فتاوى، وآراء، وتعليقات على الأحداث، وتصرفات، يفهم خارجيا وداخليا على أنه يمثل (الحكومة السعودية)، لأن المؤسسة الدينية جزء أصيل من الحكومة، يتم تعيين أعضائها بمرسوم ملكي.



وهذه النظرة داخليا وخارجيا لهيئة كبار العلماء تحمل الهيئة مسؤولية جسمية خاصة في هذا الوقت العصيب الذي ارتفعت فيه أصوات تتهم بلادنا بتصدير التطرف والإرهاب، وهضم حقوق المرأة، ومحاربة المذاهب الإسلامية الأخرى، وهذه الصوة التي ترسم للسعودية في وسائل الإعلام الغربي، وتكاد ترتسم في المخيلة الشعبية في كثير من دول العالم تحتاج لتغيير (جذري) في الخطاب الديني الذي يجب أن يسمعه العالم من الهيئة في ما يخص القضايا التي لها مساس في قضايا التطرف، والإرهاب، والمرأة، والموقف من المذاهب الإسلامية الأخرى.



وقد قامت الهيئة بخطوات جيدة في إصدار فتاوى وبيانات تدين التطرف والإرهاب، وتبين فيه براءة الإسلام من كل ذلك، وهي تحتاج لتكثيف الخطاب في هذا، وأما الموقف من قضايا المرأة، والموقف من المذاهب الإسلامية الأخرى فما زال نقطة ضعف في أداء الهيئة؛ إذ يحتاج لمراجعة عميقة، فيتمسك بما هو من قطعي الدين فيها، ويخضع ما كان غير ذلك للمصلحة، وغالب قضايا هذين الملفين المثارة هي مما يندرج ضمن الموازنة بين المصلحة والمفسدة التي يكون للسلطة السياسية حظ في معالجتها.



ولئلا يكون كلامنا عاما نضرب بعض الأمثلة، فمن قضايا المرأة المثارة التي تلقى صدى دوليا واسعا قضية قيادة المرأة للسيارة، وقضية التكافؤ بالنسب، وقضية الولاية على المرأة في غير النكاح، وهي في مجملها قضايا خاضعة لموازنة المصلحة والمفسدة، وليس من صالح الدولة أن تكون أكبر هيئة دينية فيها لها موقف سلبي في تلك القضايا.



ومن قضايا التعامل مع المذاهب الإسلامية الأخرى التي يجب أن يعاد النظر فيها في خطاب الهيئة قضية إخراج بعض المذاهب كالأشعرية والماتردية والصوفية المعتدلة من مسمى أهل السنة، وهي المذاهب السائدة في أغلب بقاع العالم الإسلامي اليوم، والخلاف بينها وبين السلفية هو في حيز الممكن في تفسير النص الشرعي، فهم يؤولون النص وفق مقتضى اللغة، والسلفية تأخذ بالظاهر وفق الأصل في التعامل اللغوي مع النص، ومع الاعتراف بأن من حق العالم إبداء وجهة نظره العلمية في ما يراه خطأ، لكن أحيانا من باب المصلحة وجمع الكلمة التغاضي لدفع أعظم المفسدتين.



ومن الأهمية التنبيه أن الموقف من تلك القضايا لم يصدر عن الهيئة بصورة بيان أو فتوى جماعية، لكنها مواقف يطرحها بعض علماء الهيئة بصورة فردية في فتاواهم ومحاضراتهم، وفي المحصلة النهائية هي محسوبة على الهيئة، بل أحيانا يطرح بعض الأعضاء آراء فقهية ليس من المناسب طرحها إطلاقا فضلا عن تعذر وجودها اليوم، كما طرح أحد أعضاء الهيئة في محاضرة له على الملأ تقريرا فقهيا عن أن استرقاق الأسرى في الحرب اليوم من الإسلام، ومن أنكر ذلك فهو كافر، وقد طار بها من يحاولون إلصاق داعش بالفكر السلفي. وترك عالم الدين ذكر ما يعتقده حقا ليس من باب كتم العلم إذا كان في ترك ذكره تحصيل منفعة ودفع مضرة، فقد ترك الرسول صلى اله عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم دفعا لمضرة إثارة قريش وهي حديثة عهد بالإسلام.



[email protected]