الديمقراطية والاستبداد

الثلاثاء - 11 أكتوبر 2016

Tue - 11 Oct 2016

الانقلاب الفاشل مؤخرا في تركيا شكل وبلا أدنى شك لحظة فارقة من تاريخ المنطقة وخارجها. من المهم أن ندرك بعض الاختلافات المهمة عند المقارنة بين بعض الأحداث التاريخية، مع عدم إعطاء نفس الأحكام عليها جميعها، لأن التاريخ لا يكرر نفسه. بالإضافة لهذا، فالأحداث التاريخية غير متطابقة بسبب أبعادها المتفاوتة من زمن لآخر.



من الحقائق المسلم بها أن الانقلابات العسكرية والانتفاضات السلمية ليس من السهل التخطيط لها أو التنبؤ بحدوثها، وبشكل عام تعد نادرة الحدوث فهي تأتي بعد تأييد شعبي واسع وذلك نتيجة لبعض الظروف التي مروا بها، والتاريخ يشهد على العديد منها.



أحد الأمثلة الشهيرة التي كانت كتب التاريخ شاهدة عليها، هي المحاولة الفاشلة لاغتيال هتلر، والتي تم تدبيرها من قبل أحد قادته العسكريين هننج فون ترشكو، في 22 يونيو 1941 في السنة الثانية من الحرب العالمية الثانية، وذلك عند استعداد ألمانيا لغزو روسيا.



خلال يوم واحد، قام كلا الجانبين بارتكاب فظائع ضد بعضهما البعض، فقد كانت الهمجية، والاعتقالات العشوائية والمذابح الجماعية هي المقومات التي من شأنها أن تحدد المنتصر في الحرب وكانت تنفذ بأوامر من هتلر. كان جنود الحزب القومي الاشتراكي، جهاز الأمن السري وقوات المهام الخاصة مجرد أدوات في فرق الموت.



في اليوم الثالث من الحملة الشرسة على الجزء الشرقي قام ترشكو بتوبيخ جنوده لإعدامهم عددا من السجناء الروس قائلا «إطلاق النار العشوائي على الأسرى والمدنيين قد حدث.



والجندي الروسي الذي تم أسره بزيه العسكري، وبعد أن حارب بشجاعة، فله الحق بأن يحظى بمعاملة كريمة». وبعد أيام على هذه الحادثة وازدياد الوضع سوءا قال القائد الألماني نفسه «بعد أن لاحظت استمرار عمليات إطلاق النار من الروس وفرار السجناء لذا فهم يستحقون القتل».



هذه القصة حدثت في أحد مراكز الجيش الألماني، والتي كان ترشكو أحد رؤساء هيئة الأركان لها، والمخصصة لهجوم القوات الألمانية على شرق بولندا وذلك في طريقها للوصول لغرب روسيا، في سبيل تحقيق ما تم التخطيط له وهو الدخول العسكري الألماني لمدينة موسكو.



لاحقا، وبجوار مقر إقامته في بوريسوف في روسيا البيضاء قامت القوات الألمانية بقتل نحو 8 آلاف شخص من المدنيين الروس بإطلاق النار عليهم على جانب الطريق، وتم دفنهم في مقابر جماعية.



اللحظة التي أعقبت المذبحة في بوريسوف والتي كان شاهدا عليها أصبحت نقطة تحول في حياته، كرس ترشكو وقتا وجهدا كبيرين لاغتيال هتلر والإطاحة بالنظام الاشتراكي الوطني، بصفته قائدا لأحد أهم المجموعات العسكرية والمعروفة بأنها الأقوى مقارنة بباقي القوات المسلحة المنتشرة ضد روسيا، فقد كان في منصب ممتاز يتيح له فرصة لاغتيال هتلر.



سبق لهتلر زيارة مركز كتيبة الجيش مرات عدة، وخلال هذه الزيارات كان في حماية هذه الكتيبة، مما أعطى ترشكو العديد من الفرص للوصول المباشر إلى هتلر. وكان على وشك اغتياله في مارس 1943 بعد أن وضع قنبلة على متن طائرته عندما جاء هتلر لزيارة مقره. كان من المفترض أن تنفجر القنبلة أثناء رحلة هتلر إلى وجهته اللاحقة وتقتله ولكنها لم تنفجر.



بعد هذه الحادثة، صنف ترشكو كأحد كبار المخططين المحترفين والأكثر شهرة لمحاولته اغتيال هتلر، وكان على وشك النجاح بخطته، والتي وقعت في 20 يوليو 1944. نجا هتلر وبنجاته تلاشت أي فرصة لوضع حد للحرب إلى الأبد.



خلال حرب استمرت 150 يوما في صيف عام 1944 في الحرب ضد روسيا على الجبهة الشرقية فإن معدل خسارة ألمانيا قارب 5 آلاف شخص يوميا أو أكثر من مليون رجل خلال هذه المدة. في عام 1944 مئات الآلاف من المدنيين الألمان قتلوا أو شردوا بسبب حملة القصف الأنجلو أمريكية.



من يناير إلى مايو 1945 كان معدل وفيات الألمان يقارب 350 ألفا كل شهر، في حين أن ما يقارب 20 مليونا تركوا بيوتهم في خضم الشتاء القارس مع قليل من المتعلقات الخفيفة التي يمكن أن يجلبوها معهم من أجل الفرار من الجيوش الروسية ولتفادي فظائع كالقتل وقصف المنطقة الشرقية من ألمانيا.



حدوث انقلاب عسكري ضد نظام على هذه الدرجة من الفاشية، ربما كان من المحتمل تجنبه إذا انتهج هتلر نهجا أقل عدائية للشعب، وسيكون من الأفضل للجنرال ترشكو الانتحار عوضا من أن يتم القبض عليه وتعذيبه من قبل البوليس السري النازي.



كلماته الأخيرة لجنوده كانت «الآن سوف يقبضون علينا، وسنتعرض لسوء المعاملة. غير أنني على يقين الآن أكثر من أي وقت مضى، أننا فعلنا الشيء الصحيح.



أؤمن تماما بأن هتلر ليس عدوا للشعب الألماني فقط، بل للعالم بأسره، ولدي سبب للتفاؤل أن الله سيحفظ لنا ألمانيا. لا أحد منا يشك باحتمال إعدامه، لمن انضم لصفوفنا عليه أن يتحلى بالشجاعة ويترقب مصيره. قيم ومعتقدات الرجل الحقيقي لا يوجد ما يقف بوجهها وتستحق أن يضحي بحياته في سبيل تحقيق قناعاته».



في نهاية الأمر تم القبض على نحو 5 آلاف ممن تورطوا في محاولة اغتيال هتلر، وتم إعدام ما لا يقل عن 200 بسبب أدوارهم الرئيسة في المؤامرة.



عند مقارنة محاولة اغتيال هتلر بالانقلاب في تركيا، نجد أن حكومة إردوغان اعتقلت ما لا يقل عن 60 ألفا لما يسمى «مشاركة» في محاولة لقلب نظام حكم حزب العدالة والتنمية، أي 12 ضعفا لعدد من تم القبض عليهم في محاولة اغتيال هتلر.



ختاما، هتلر كان منتخبا ديمقراطيا، الديمقراطية لا تتوافق مع رغبة الفرد واحتياجه للحصول على مزيد من النفوذ والسلطة المطلقة. بالنسبة له، الديمقراطية هي الوسيلة القانونية الممكن استخدامها كمنصة لتحقيق مصالحه.



لذلك، مع مرور الوقت سنعرف ما الأهداف والأسباب الحقيقية لمدبري الانقلاب في تركيا.