شاهر النهاري

صعبة قوية يا محمد السحيمي

الثلاثاء - 11 أكتوبر 2016

Tue - 11 Oct 2016

بين الحين والآخر يكون لي وقفات تمعن وتبصر في كنه الكتابة، فأنا أقرب الناس إلى عدم القناعة بأغلب ما نكتب ككتاب رأي، باعتبار أن رؤيتنا مهما تعاظمت زواياها تظل يتيمة الطيف، وأن الظروف حولنا أصعب للتحليل مما يتخيله العقل العربي المصاب بلوثة الخوف والشك؛ فأحوال الشرق الأوسط متصاعدة مقلقة على مقياس الوعي، مهما حاولنا أن نهون على شعوبنا، بعدم وجود المكائد والمؤامرات حولنا وفينا، ومهما حاولنا معرفة مسار الانزلاق عن دروب الأمان، وكم من مرة أصل إلى شبه قناعة بضرورة التوقف عن الكتابة وعدم التنظير فيما قد يكون ناقص الرؤية، أو خاطئ البنية، أو موجها بخوف أو عنصرية أو بنفاق، أو غرور.



وتلك كارثة قد تطوي كاتب الرأي وسط الإعصار، حين يجد بين كتاباته تناقضات وتخبطا ومجاملات، وشوائب وركاما، ستحسب عليه يوما وتجرف تاريخه بطريقة تسونامية.



سألت صديقي محمد السحيمي، عن أسرار هموم الكتابة، التي نعاني منها، وكيف يتخلص هو منها ويعبرها، ليظل باسما بمقالاته الطريفة يغزل المعاني، ويتندر، ويغمز ويلمز بذكاء، ويستعيد النكتة مرات، مؤكدا على أنها (brand name)، خاص به، لا شريك له فيها.



وحكيت له عن حيرتي وقلقي في الكتابة، وخوفي من زلات الفكر غير المتشبع، أو من بناء جدران معوجة، تكون بملوحتها آيلة للسقوط.



فقال لي: لديك أسلوب أدبي قصصي جميل، تتميز به، فلماذا لا تمعن بالكتابة من خلاله؟.



ضحكت، فهذا ما أعتقد أنه ينطبق عليه مقولته المتكررة: «صعبة قوية».



فلو تعاملنا مع كل مقال على أنه قصة، فهذا يعد جهدا أدبيا لن يطيق مثله قلم (يوسف إدريس)، إذ إن الأحداث العظام من حولنا متغيرة بالثواني، ومما شاب لها ولدان العراق وليبيا وسوريا واليمن، بالإضافة إلى حمم براكين من الشكوك، والمؤامرات، والحقد، والكذب، والحروب، والتحالفات، والخيانات، والإرهاب، والرؤية، وانعدام الرؤية، والفساد، والتردي في الخدمات، والتعليم والصحة، والضرائب والرسوم، وربط الحزام، والاحتكار، والعنصرية، والمشي على الأشواك في يوم ممطر بالشهب، فكيف يمكن أن تضم القصة القصيرة كل ذلك، وعلى كل الأحوال!.



إنها «صعبة قوية» يا صديقي، فكتابة قصة قصيرة تحتاج إلى مشاعر حية، ومشاعرنا أصبح نصفها زيفا، وباقيها شكا وترقيعا؛ وهي تحتاج من الجهد والوقت ما يمكن أن يكتب فيه عدة مقالات سياسية، واجتماعية، وكونية.



إنها فعلا «صعبة قوية» يا صديقي، فكيف تحمل قصة قصيرة عبثية قانون مثل جاستا، أو تراجيديا وضع سوريا، أو حسرات اليمن، أو مذابح العراق، وغموض تركيا، ونووي إيران، وحرج مصر الموقوتة.



كيف تضم قصة قصيرة الحركات الدينية السرية، وشيوخ الفتن، والقطيع، والعراك المذهبي، والتكفير، والإرهاب، والسلب والنهب والتهجير.



ثم أي قصة قصيرة في عصرنا يمكن أن تحوز التميز، وبعض مقالات الزملاء تعدت خطوط البديع في القص واللصق، وتزوير الحقائق، والادعاء بقلوب صخرية.



دعني يا صديقي أرثي لمن يكتب اليوم حكايات حاضرنا بأمانة ومصداقية، فما إن يكتب مقالا، إلا وتنهمر بعده زخات من مقالات تستجر نفس المكونات، وتستعيد الرص، وبكل وقاحة.



الكتابة المقنعة الصادقة في عصرنا وهم مقلق، متعب للضمير، وللمتلقي، ولمقص الرقيب، وهي جدا «صعبة قوية».