المواطن ليس في "درج" المكتب يا سادة!
المأزق الذي خلق فجوة هائلة بين المواطن من جهة وبين النخب سواء ثقافية أو سياسية أو اقتصادية من جهة أُخرى، هو التصور الجاهز للمواطن لدى هذه النخبة، فهم -أي النُخب- يعتقدون أنهم قريبون جدا من المواطن وأنهم قرؤوا شخصيته جيداً، وقضوا وقتاً طويلاً في سبر أغوار هذه الشخصية، واستعانوا بالأرقام والنظريات الحديثة كي يتوصلوا لأفضل تصوّر ممكن عن هذه الشخصية،
المأزق الذي خلق فجوة هائلة بين المواطن من جهة وبين النخب سواء ثقافية أو سياسية أو اقتصادية من جهة أُخرى، هو التصور الجاهز للمواطن لدى هذه النخبة، فهم -أي النُخب- يعتقدون أنهم قريبون جدا من المواطن وأنهم قرؤوا شخصيته جيداً، وقضوا وقتاً طويلاً في سبر أغوار هذه الشخصية، واستعانوا بالأرقام والنظريات الحديثة كي يتوصلوا لأفضل تصوّر ممكن عن هذه الشخصية،
الأربعاء - 28 مايو 2014
Wed - 28 May 2014
المأزق الذي خلق فجوة هائلة بين المواطن من جهة وبين النخب سواء ثقافية أو سياسية أو اقتصادية من جهة أُخرى، هو التصور الجاهز للمواطن لدى هذه النخبة، فهم -أي النُخب- يعتقدون أنهم قريبون جدا من المواطن وأنهم قرؤوا شخصيته جيداً، وقضوا وقتاً طويلاً في سبر أغوار هذه الشخصية، واستعانوا بالأرقام والنظريات الحديثة كي يتوصلوا لأفضل تصوّر ممكن عن هذه الشخصية، وبناء على ذلك يتم وضع التصورات عن هذا الكائن (المدعو مواطن) ويتم رسم الخطط لتوفير مطالب ورفاهية المواطن، لكن بعد ذلك تكون المفاجأة أن المواطن لم يبتهج بما عُمل لأجله، أو على الأقل يكتشفون أن ما تم إنجازه تقبّله المواطن لكن بفتور، فهو لا يُنكر أنه عمل جيّد، لكنه لا يُخفي أنه ليس من الأولويات التي كان ينتظرها، وهُنا بالتأكيد تُحبط هذه النخب وبدلاً من أن تبحث عن السبب الحقيقي فإنها تلجأ لذات النظريات الاجتماعية التي تتحدث عن الفكر الجمعي للشعوب التي ما زالت رهينة الأنساق، فتعود النخب المثقفة هذه المرة لقراءة المشهد محاولة أن تكون بوضع مُحايد بين الحكومة والمواطنين وتبحث عن الخلل، لكن المشكلة أن أدوات البحث هي ذاتها التي استخدمها السياسي بتصوراته للمواطن، إذ يعود المثقف (لمكتبته) يقلّب المراجع الضخمة في بحث شاق عن تبرير هذه الجفوة، فكما أن السياسي يقرأ المواطن من خلال التقارير التي في (درج مكتبه) فإن المثقف يرتكب الغلطة ذاتها وهو يبحث عن المواطن أيضاً في (مكتبته)!
المواطن ليس (نسخة) يمكن القياس عليها، ومعرفة احتياجاتها، فمثلاً المسؤول عندما يستقبل مجموعة ما تندرج تحت عنوان (مجموعة من المواطنين)، فهو يراهم كذلك ويسمع مطالبهم واقتراحاتهم بصفتهم يمثلون المواطن، فيما مواطن آخر يرى أن هذه المجموعة (الرمزية) التي التقت المسؤول هي من وجهة نظره تمثل النخبة، فالأعيان والعلماء والمشايخ ورجال الأعمال هم من وجهة نظر المواطن العادي نخبة، فمجرد وصول المسؤول -كما يرى المواطن القابع في عمق المجتمع- يعد نخبوية لا يصل إليها إلا ذوو العزم من (الواصلين)، فالمسؤول الذي يسمع لهؤلاء بصفتهم ممثلي الأغلبية من المواطنين يكون توصل لنتائجه بناء على تصوّر خاطئ منذ البداية، فالأولويات التي تراها النخبة ضرورية قد تكون لدى الأغلبية من المواطنين ترفاً لم يحن بعد ممارسته، فإنشاء مدرسة أهلية مثلاً في مدينة متوسطة يراها النخبة مشروعاً مهماً ورافداً ضروريا من روافد التعليم للمدينة، فيما ترى الأغلبية أن الأهم والذي يجب أن يكون على سلّم الأولويات هو أن يصل صوتهم للمسؤول الأول عن التعليم بضرورة تأكيد عدم تكليف الطلاب بطلبات تثقل كاهلهم، هذا المطلب الذي يعد وجيهاً لأغلبية دخلها الأساسي هو الضمان الاجتماعي يُعتبر مطلباً سطحياً للنخب التي تعتبر صرف خمسمئة ريال -مثلا- في الشهر أمرا تافها لا يستحق الحديث أو المطالبة به، في نفس الوقت مطلب المواطن في هذه المدينة بالضرورة ليس هو من أولويات مدينة أُخرى ذات فرص اقتصادية عالية، كما أنه لا يمكن قياس أولويات مواطن في مدينة (حتى لو كان القياس أو الاستطلاع دقيقاً) واعتبار تلك الأولويات تنطبق على جميع المواطنين في المملكة العربية السعودية، ففي الرياض قد يكون الاختناق المروري هو مشكلة يتفق عليها أغلبية سكان العاصمة، وفي الجنوب يرى المواطن أن الحديث عن الزحام المروري وإيجاد سبل لفك الاختناق والحديث في هذا الموضوع برمته هو أمر تافه، فالحديث عن الماء هو الذي يستحق أن يكون الأولوية، وفي الشمال قد لا يكون الحديث عن الموضوعين السابقين لا يستحق أن يكون حديث (شبّة ضحى) في غياب المؤسسات الصحية التي جعلت مفردة (لدي موعد بالعاصمة) تعني عمّان وليس الرياض، ولن أقول (وقس ذلك على بقية مناطق المملكة)!
في النهاية أن لا أحمل المواطن ولا النُخب المسؤولية، المسؤولية تتحملها (المرآة) فقط!