محمد حطحوط

بصقة البنغالي بخمسين وتفلة السعودي بمئة!

الاثنين - 10 أكتوبر 2016

Mon - 10 Oct 2016

بداية الحكاية من منطقة في شمال روسيا اسمها داغستان، حيث منزل متواضع تسكنه أم وزوجها وطفل رضيع اسمه علي يعقوبوف، والذي أصبح معروفا عالميا باسم (الرضيع المعجزة)، حيث تتلبس الرضيع حرارة كل يوم جمعة، كما تقول أمه، وتظهر على جسده النحيل آيات قرآنية وأحاديث نبوية مكتوبة باللغة العربية، وبخط واضح، ثم تختفي مع نهاية اليوم، وهي ظاهرة مثيرة للتأمل بالفعل، مما جعل المنزل الصغير يتحول لمزار يومي يتسابق إليه آلاف الناس، كل يوثق بجواله الظاهرة، وتبعهم في ذلك قنوات فضائية توثق المشهد وترفع تقاريرها للملايين من البشر حول العالم، مما حدا بمذيع قناة بي إن ايه، أن يردد في ذهول: (من قال إن عصر المعجزات قد ولى؟).



انتشرت مقاطع الطفل حول العالم وانتشر معها التكبير والتهليل لهذه المعجزة، وتبعهم مشايخ وطلبة علم من أهل المنطقة يرددون أن الله بعث لنا هذا الطفل ليثبتنا على ديننا!



الصاعقة تكمن عزيزي القارئ عندما تعرف أن هذا من #تجارة_الوهم واللعب على الذقون الجاهلة، ولو سألت أي طبيب جلدية سيخبرك أن هذا مرض اسمه الدرماتوقرافيا Dermatopraphia وهو نوع من التحسس بالجلد، لأن أي جسم له رأس صغير كالقلم وغيره، لو مر على الجلد لأحدث كتابة واضحة للعين، حيث يتورم باحمرار ذلك الجزء! وهذا المرض له علاجات معروفة من مضادات الهيستامين، كما أفاد بذلك الزميل د. مشعل بن متعب.



ولو بحثت باللغة الإنجليزية في يوتيوب وكتبت اسم المرض، لخرج لك من أنحاء العالم مقاطع فيديو لمصابين بذات المرض المذهل!



وهذا يجعلنا أمام الحقيقة المرة، أن الطفل علي يعقوبوف مريض بالدرماتوقرافيا واستغل والداه جهل الناس وسذاجتهم في استغلال مرض عضوي لفلذة الكبد ليكون مصدر دخل وريادة أعمال وهمية!



هناك راق شهير له حضور كبير، يقدم لك البصقة بمئة ريال!



مئة ريال للبصقة الجماعية أنت ومعك عشرة مثلك، وسعر أعلى بكثير لو أردت بصقة خاصة!



المضحك المبكي أن الناس يتسابقون عليه زرافات ووحدانا، ووصل لمرحلة لم يعد هناك كمية (لعاب) كافية للبصق، فأتى بعامل من الجالية البنغالية ذي لحية كثة، يقوم ببصق جماعي هو الآخر، لكن سعر البصقة لا يتجاوز خمسين ريالا! حتى اللعاب والتفال أصبح له سعره الخاص! وما علم هؤلاء المساكين أنه (ما يحك جلدك مثل ظفرك) وأن لا شيء يعدل قراءتك على نفسك، كما هو ثابت في صحيح السنة، بدون النزول لهذا المستوى الذي يحط من قيمة العقل والإنسان في آن معا، في عمل لم يثبت عن النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، فعله بهذه الصورة.



ومن الصعب الختام دون التطرق لأمر قد يغضب العاملين من الزملاء في التدريب، لكنه محور تكرر علي كثيرا، ومن الأمانة العلمية أن يتم الجواب عليه:



دورات التنمية البشرية في علم الطاقة وعلم الجرافولوجي وقانون الجذب والسر والتجلي... الخ من الدورات المشابهة، هي الأخرى يدخل جزء منها في #تجارة_الوهم، هذه هي الحقيقة المزعجة التي لا بد من الصدع بها.



الجرافولوجي كمثال أو دورات تحليل الخط، هو علم في أمريكا يسمى الآن (علما مزيفا)، أو Pseudoscience، وسبب تزييفه أنه لم يستطع تجاوز

اختبارات صحة هذه الفرضية في مختبرات الأبحاث، حيث فشل مرة تلو أخرى، وانقسم المجتمع الغربي في الخمسينات الميلادية، خصوصا بعد تبني الحكومة الأمريكية له وقتها، ولكن الأبحاث المتتالية من الجامعات الأمريكية العريقة تثبت عدم مصداقيته، وتقريبا 1970 يعتبر اللحظة الحرجة بعد انكشاف كل شيء، حيث انسحب من (جمعية محللي الخطوط العالمية) غالب أعضائها المؤثرين، وتحول من مجال كان يوما من الأيام واعدا ليصبح ضمن العلوم المزيفة وغير المقبولة في المجتمع العلمي، وانتهى النقاش حوله وتم حسم الموضوع، والذي يبدو أنه للتو وصل إلينا ونحن نعود لمربع الصراع الأول!





قبل الخوض في أي نقاش، ينصح بقراءة كتاب The Write Stuff لمؤلفه حيث لخص جهود الدكتور جيوفري دين، حيث عمل دراسة تعد الأضخم تاريخيا، ووصل لنتيجته النهائية: (الجرافولوجي فشل كعلم بشكل ذريع في إثبات الفرضية التي طرحها، وبناء عليه لا نستطيع أخلاقيا استخدامه كأداة لتحليل الشخصيات أو التنبؤ ببعض السلوكيات والأنماط أو أي أمر آخر).



المحزن أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تغط في سبات عميق، وهي الجهة المعنية بتنظيم التدريب، وأعلى خيل ركبته المؤسسة، خطاب باهت يتم توزيعه على الجهات ذات العلاقة!



[email protected]