صدمة سياحة

تفاعل
تفاعل

الخميس - 06 أكتوبر 2016

Thu - 06 Oct 2016

يلتقط الموظف أنفاسه بعد أن حبسها بين ردهات العمل دهرا ويفكر في استعادة نشاطه واسترداد طاقته التي فرغها في دفع عجلة التنمية، فيعزم بعد مشاورات عن كيفية قضاء ما تبقى من إجازته على حزم حقائبه وشد رحاله إلى صالة المغادرة الدولية لأول مرة في تاريخه قاصدا إحدى دول أوروبا السياحية اقتداء بسنة زملاء العمل الذين شجعوه على السفر، وتنشيطا لقدراته التي خملت مع ضغوط العمل الذي لا تنتهي، وصرفا لماله الذي ظل يكدسه عدة أشهر مدخرا من مرتبه، تأهبا لهذه المناسبة السعيدة التي لا تتكرر كل يوم ولا حتى كل سنة، ولا عجب من موقفه في قبول ما شجعه عليه زملاؤه، فعينه تريد أن تبصر ما لم تتمكن من إبصاره من قبل، فهي بحاجة إلى مشاهدة الجمال بعد أن ملت مشاهدة الجِمال التي تلمحها طوال السنة، ورئته ترنو إلى استنشاق هواء نقي يزيح عنها هواء المدينة الخانق الذي ملأ صدره. وعزمه هذا ليس دليلا على مرونته فحسب بل دليل أيضا على مرونة الأشياء وأنها قابلة للتغير بفعل تغير البشر؛ فالفتوى الحادة التي كانت تحكم بتحريم السفر إلى بلاد الكفر بعلل تعلل بها من تعلل تخلت عن حدتها وذابت كما ذاب غيرها من الفتاوى.



وخطته في قضاء إجازته توافق كثيرا خطط غيره من المترفين الذين يتدفق عليهم المال بلا انقطاع ولا يسألون عن أموالهم كيف جمعوها وفيم أنفقوها، أو المعتمدين ثانويا على معاشهم في توفير سبل معيشتهم أو معتمدين أساسيا على القروض التي تأخذ منهم أكثر مما تعطي، لكن ليس منها بد.



أصيب بصدمة وانبهار جراء ما شاهده من تقدم حضاري وتفوق علمي وبراعة في صناعة السياحة وتشجيع الناس للإقبال عليها ومساواة لا تفرق بين ابن البلد وسائح قادم للزيارة، وعبارات تحايا وشكر لم يعتد على سماعها كثيرا في بلده تعطر مسامعه كل وقت.



واكتشف أن التركيز على القطاع السياحي نفخ في (قربة مشقوقة) فالاعتماد على الهندسة المعمارية والصناعة البنائية وملاحقة الأولويات وامتلاك الغرائب والعجائب والاهتمام بالمعالم الأثرية لن يحولك إلى بلد يقبل عليه السائحون ويقصده الزائرون الراغبون في قضاء إجازاتهم بسعادة في رقعة جغرافية تحترمهم وتقدرهم إذا لم يصاحبه تغذية للعقول وإشباعها بضرورة احترام الآخرين وتقبلهم والتدني من التعالي الذي يشعرنا بأننا نفوق الآخرين ونتربع على عرش لم يصل إليه غيرنا.



السياحة لن تتطور وتحظى بالنجاح إلا في بلد يتكافأ فيه الجميع بنفس الفرص وتتمتع الأقليات بحقوقها وتمارس طقوسها ومعتقداتها كما تمارسها الأكثرية، ويمنح فيه السائح حريته واختياراته دون التدخل في تحديد نوعية مأكله ومشربه وملبسه، ويتاح له الاستفادة من فعاليات منظمة وأنشطة تشرح صدره وتبسطه وتفتح له آفاقا تجمل معها الحياة في ناظريه بعيدا عن فعاليات طريقة تكفين الموتى وتهشيم العود وسط هتافات المشجعين ومن ينهي شرب الرضاعة أولا.



ولا تكن حرفيا وتفهم من سابق حديثي أنني أقف في طابور المطالبين بضرورة التركيز على تفعيل الجانب السياحي وتنشيطه باعتباره دعامة ضرورية ورافدا أساسيا وموردا اقتصاديا مهما ينمي الميزانية ويضاعفها فأنا لا أرى ضرورة لذلك، فالسياحة لا تجلب معها سوى الفوضى والزحام.