بئر طوى ليست لها علاقة بمغتسل النبي في فتح مكة
فجرّ الدكتور عدنان بن محمد الحارثي الشريف مفاجأة من عيار ثقيل بإعلانه أن بئر طوى الحالية لم يثبت له بعد دراسة تاريخية علمية، استمرت نحو ستة أشهر، أنها عين مكان مغتسل النبي صلى الله عليه وسلم في وادي ذي طوى المشهور في مكة.
فجرّ الدكتور عدنان بن محمد الحارثي الشريف مفاجأة من عيار ثقيل بإعلانه أن بئر طوى الحالية لم يثبت له بعد دراسة تاريخية علمية، استمرت نحو ستة أشهر، أنها عين مكان مغتسل النبي صلى الله عليه وسلم في وادي ذي طوى المشهور في مكة.
الثلاثاء - 21 يناير 2014
Tue - 21 Jan 2014
فجرّ الدكتور عدنان بن محمد الحارثي الشريف مفاجأة من عيار ثقيل بإعلانه أن بئر طوى الحالية لم يثبت له بعد دراسة تاريخية علمية، استمرت نحو ستة أشهر، أنها عين مكان مغتسل النبي صلى الله عليه وسلم في وادي ذي طوى المشهور في مكة.
وكشف الحارثي في ورشة عمل علميّة نظمها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج الشهر الماضي لمناقشته بعد تكليفه بإعداد دراسة تاريخية عن «إحياء بئر طوى»، أن كلمة طوى كبئر لم تطلق على بئر موجودة في وادي ذي طوى في الفترة المبكرة، ولا في زمن فتح مكة. وقال: كوني لم أثبت حقيقة فهذا لا يعني أنني أنفي وجودها. وهذا منهجي العلمي في البحث.
ولخص الحارثي، وهو عميد شؤون المكتبات في جامعة أم القرى، رأيه بعد نقاش ساخن شهدته ورشة العمل، بأن المكان الذي ينبغي الاعتناء به هو وادي ذي طوى كله، وليس بئر طوى الحالية فقط، معلناً تأكيده أن البئر جزء من منطقة الوادي، لكن ينبغي أن يعرف الناس أن «ذي طوى» هو اسم مكان الوادي الذي دخله الرسول صلى الله عليه وسلم، وأناخ فيه واغتسل فيه في الفتح والعمرة وحجة الوداع، وكذلك فعل الخلفاء والصحابة والتابعون، ومن بعدهم من الملوك والخلفاء وغيرهم، إذا قدموا حاجين إلى مكة، وكذلك كانوا يبيتون فيه اقتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأكد الحارثي أن نصوصاً ثابتة وصريحة تعزز ذلك، داعياً الجميع إلى أن يتفهموا موقفه العلمي، ومشددا على أنه من الواجب علينا أن نحتفظ بمبنى البئر الحالي كدلالة تاريخية، ولكن لا ننسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من دون دليل ثابت وقطعي.
ورصدت «مكة» خلال ورشة العمل المثيرة، كل أحداثها وتطوراتها، وما تلاها من جلسات نقاش علمي بين عدد من الخبراء والمختصين في تاريخ مكة، يتقدمهم أستاذ الجغرافيا في جامعة أم القرى الدكتور معراج نواب ميرزا، وبحضور وإشراف عميد المعهد الدكتور عبدالعزيز السروجي، ووكيله للدراسات الدكتور محمد بن عبدالله إدريس الباحث الرئيس في الدراسة التاريخية عن إحياء بئر طوى.
وفي هذا الجزء المخصص رصد لأهم ما ورد في استعراض الحارثي لدراسته في ورشة العمل، على أن ينشر في الأسبوع المقبل كامل الردود العلمية التي تصدى لها ميرزا، ومناقشات الحضور التي تميزت بأطروحات ثرية وعميقة للرد على ما توصل له الباحث في دراسته.
تغيير المفاهيم والتصورات
بدأ الحارثي حديثه بتأكيده المسبق على أن هذه الدراسة غيرت حتى مفاهيمه وتصوراته السابقة عن بئر طوى، قائلاً إنه لم يتوقع قط الوصول إلى هذه النتيجة في ضوء المعطيات التي توفرت لديه، خصوصاً بعد حرصه على الاعتماد على مجموعة من المصادر الأساسية التي كانت تعنى بالنصّ كمعلومة تاريخية، ابتداء بالأزرقي والفاكهي ثم الفاسي، وصولاً إلى العصر الحديث ومؤلفات الغازي والكردي وغيرهم، إلى جانب كتب الرحالة والمصادر العلمية الأخرى.
وأشار الحارثي، وهو يشرح رؤيته على صورة خريطة تحمل مخططاً لوادي ذي طوى، إلى الثنية الخضراء (ريع الكحل حالياً) وثنية الحصحاص. وقال: عندما بدأنا البحث في إحياء بئر طوى بدأنا بدراسة مسار جيش الفتح، ولدى تتبعنا التفاصيل فوجئنا بالمعطيات المتوفرة لدينا، إذ وجدنا أن المادة تسير في مسار غير المسار الذي نعرفه بعد دخول جيش الفتح إلى وادي مرّ الظهران (الجموم حاليا)، ثم إلى التنعيم فالثنية البيضاء، فبطن مكة (فخ)، مروراً بثنيّة الحصحاص حتى نزوله في وادي ذي طوى.
وادي ذي طوى
ويضيف الحارثي: يبدو أنه مع مرور الزمن انحصر كل مسمى الوادي في البئر الحالية فقط، بينما كان ذي طوى في مرحلة الفتح وما بعد ذلك إلى زمن الأزرقي والفاكهي، مساحة فضاء تمتد ما بين المقبرة (الحجون) والثنية الخضراء (ريع الكحل)، كما تمتد أرض الوادي إلى ثنية كداء (ريع الرسام)، أي ما يعرف حاليا بالعتيبية وما جاورها من أحياء إلى مطلع الشبيكة تقريباً. وكل هذه المنطقة كان يطلق عليها ذي طوى، وبالتالي فلا بد أن نتخيل من أين دخل جيش الفتح يومئذ إلى الوادي.
وتابع: لأن القوات دخلت من جميع الجهات، فإن ما أميل إليه هو أن الجيش الذي كان عدده 10 آلاف مقاتل، ربما لم يدخل ذي طوى من ثنية واحدة، بل أرجح أنه دخل من ثنيتي الخصخاص والخضراء معاً. وعندما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم أن القوات توزعت من ذي طوى في الاتجاهات المطلوبة وفق الخطة التي وضعت في مرّ الظهران، خرج عائداً واتجه إلى وادي فخ ومنه إلى الأذاخر ثم ريع الأخنس (الخانسة حالياً) ثم مرّ ببئر ميمون ابن الحضرمي (في الغسالة حالياً) ثم نزل إلى الأبطح.
وبعدما استقرت القوات وفتحت مكة، توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبل الحجون، وهو غير الجبل المسمى الآن، بل الصحيح أنه كان يطلق على الجبل المقابل له الآن في زمن الفتح. وكان في هذا الجبل بروز (كتلة صخرية) تسمى قرن مَصّقلة وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه وألقى كلمته المشهورة حول حرمة مكة وبايعه أهلها هناك، ثم توجه إلى الحرم الشريف.
مغتسل النبي
وبالنسبة إلى اغتسال الرسول صلى الله عليه وسلم في ذي طوى، يقول الحارثي: النصوص تشير بشكل عام إلى أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل في ذي طوى المكان. وتشير بعض المعطيات إلى أنه اغتسل صلى الله عليه وسلم في ربوة وبات عليها، وبعد ذلك كان أهل مكة يُعلّمون مكان هذه الربوة بمسجد كان يقع أمامها، وللأسف لم نجد شيئاً عن هذه الربوة ولا معطيات لدينا من مصادر الدراسة تؤرخ هذا المسجد، ولم نعرف أي مسجد هو من بين المساجد الموجودة في المنطقة، لأن المصادر بعد ذلك تسكت عن قول المزيد. وقد يكون مسجد ذي طوى اندثر واختفى ذكره.
ووجدنا أيضاً، أن ليس لدينا مصدر إلى بئر معينة سوى نصّ واحد عن نافع وابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان إذا دخل النبي مكة اغتسل عند بئر أبي عنبسة. وقال: يخبرنا أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم عندها دون أن يذكر أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل منها، ولكنه يعطي انطباعا بذلك. وهذا مؤشر قد يكون معتبراً، لكن تعرفون أننا لا نستطيع التجرؤ على مقام النبي صلى الله عليه وسلم الشريف، إلا بعد التثبت والتأكد واليقين، خشية أن نقع في موقع «من كذب علي عامداً متعمداً....»، فلم نجد ذكراً لبئر (أبي عنبسة) ضمن الآبار التي تحدثوا عنها وحددوها. وحاولت أن أجد أي نصوص وبأي طريقة في كتب الرحالة أو غيرهم عن هذه البئر (رغم أن لها مؤشرا واضحا)، ولم أجد لها أي ذكر للأسف الشديد.
كتب الصحاح
وفي النصوص التي وردت بعد ذلك، حتى في كتب الصحاح، جاء فيها أن ابن عمر رضي الله عنه، كان إذا جاء إلى ذي طوى يبيت ويغتسل. دون ذكر بئر معينة يغتسل عندها. وأيضا الأزرقي والفاكهي لم يذكرا تحديدا أي بئر معينة رغم أنهما كانا حريصين على ذكر هذه الأماكن. ولنأخذ مثالا على دقتهم وتتبعهم، أنه عند الحديث عن الصفا ودرج الصفا ذكرا أن أهل مكة وضعوا علامات لموضع أقدام النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من الصفا.
هذه الدقة في التتبع لم نجدها هنا (بئر ذي طوى)، وهذا يعني أنه كان هناك غموض بالنسبة لهم ولم يستطيعوا تقديم شيء عنه. بعد ذلك تتبعنا كتب الرحالة الذين كانوا أيضا يتابعون هذه الأماكن باهتمام كبير مثل ابن جبير والفاسي العبدري، فلم نجد في كتبهم غير أنها تقول إنهم اعتمروا في التنعيم ثم اغتسلوا وباتوا في ذي طوى دون أن يحددوا بئراً معينة أو أن هذه البئر هي بئر طوى الحالي.
أيضا نجد أن الإمام المؤرخ العظيم الفاسي، وهو محقق ومدقق ومحدث ومن علماء مكة وأعيانها ورجل كان يتتبع كل معلومة ويدقق فيها، عندما يتحدث عن ذي طوى التي هي محل دراستنا ونقاشنا يقول نصا غريبا عن بئر فقط. فيقول بئر بذي طوى دون أن يحدد أي علاقة باغتسال النبي صلى الله عليه وسلم أو لها علاقة بسيرته صلى الله عليه وسلم، لا من قريب ولا من بعيد. وأعتقد هنا أن هذه البئر حملت اسم ذي طوى، ومع مرور الزمن بات عندما يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بذي طوى، اعتقد الناس أنها هذه البئر وليس عين المكان.
سنجق بيك بنى البئر الحالية
ويرى الحارثي أن أول ظهور لاعتقاد الناس بعلاقة هذه البئر باغتسال النبي صلى الله عليه وسلم، جاء في مصنف الكردي، وهو نقل عن الغازي، والأخير نقل أيضا عن السنجاري، وكل هؤلاء الثلاثة لو كان عندهم نص أقدم يؤرخ لهذه البئر قبل ذلك لذكروه أثناء حديثهم عنه، ولم نجد أحدهم تكلم في ذلك. فالغازي والكردي نقلا نصّ السنجاري في مؤلفه بقوله إنه «سنة 1101 هـ أمر السنجق محمد بيك ببناء بئر طوى، فبنى عليها «طاجن» وقبة صغيرة وبنى إلى جانبها مسجدا... إلخ».
وسأل الحارثي: هل لو وجد الكردي، وهو رجل باحث عظيم.. ألم يكن أجدر أن يأتي به؟ وكذلك الغازي وهو جمّاع للتاريخ، وأي نص يضيع عليك في أي موضوع من الموضوعات تجده في كتاب عبدالله الغازي القيّم، منائح الكرم، كان يمكنه تأصيل نصّه لو وجد لهذا الأمر أصلاً.
وتابع: عندما تتبعنا أخبار البئر الموجودة حالياً عند المؤرخين من المعاصرين، وجدنا أن هناك اختلافا في الآراء أيضاً. فرشدي ملحس يقول عنها إنها بئر بكار، لكن الحقيقة أن بئر بكار في الليط (حيّ الحفائر حاليا)، وهي بئر أنشئت في العصر الإسلامي. وعبد الملك بن دهيش يرى أنها بئر أم النعمان في ذي طوى بحسب أوصاف البئر.. وما إلى ذلك. وبئر أم النعمان ذكرها الفاكهي بأنها من الآبار الإسلامية، بمعنى التي أنشئت بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي نهاية العرض، سأل الحارثي الشريف: ماذا نفعل نحن أبناء مكة، وهذه البئر لنا، ونعتني ونهتم بأمرها كلنا؟ أنا من الناس الذين يعنيهم أي شيء يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإذا وجدت إمكانية أنني أستطيع إثباته أثبته دون تردد. هناك مواقع ثابتة معروفة كمولد النبي ومولد فاطمة وبيت أم المؤمنين خديجة نبصّم على ثبوتها، وهناك أماكن أخرى كثيرة معروفة أيضاً ولكنها اختفت. إنني في الحقيقة أقف هنا، ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك!