السلوك المالي عند الأطفال

الجمعة - 07 أكتوبر 2016

Fri - 07 Oct 2016

على الرغم من أن علاقة الأطفال بالمال هي في بادئ الأمر علاقة لعب ولهو وتسلية أكثر منها علاقة جدية، فإن المال يمثل عددا من الدلالات النفسية والاجتماعية التي تعمل على تمرين وتهيئة الطفل لكثير من الأنشطة والسلوكيات ومهارات التعامل مع المال، فعلى الرغم من بساطة تلك العلاقة فإنها علاقة وجدانية عميقة تتغير معها كثير من السمات الشخصية للطفل، ويكتسب من خلالها كثيرا من القدرات، فتتسع خبرات الطفل ومدركاته بتعلم واكتساب مفاهيم مثل الإنفاق والتدبير والادخار والبيع والشراء والاستهلاك والثروة والغنى والفقر، فضلا عن معرفة كثير من المعاني المجردة التي تتضمنها هذه السلوكيات، مثل معنى الاستقلالية والاعتماد على الذات وحسن التصرف.



وعادة ما يتعرف الأطفال على النقود عندما يشاهدون الوالدين يتعاملان بها في سلوك الشراء أو البيع، وعندما ينفقانها أو يحصلان عليها، لكنهم لا يدركون المعنى الحقيقي المجرد لها إلا في الطفولة المتأخرة، ويتفاوت هذا الإدراك من ثقافة إلى أخرى ومن طفل إلى آخر، ويتوقف على طبيعة المعلومات التي يحصل عليها من والديه والمحيطين به.



وبصفة عامة، تؤدي العوامل الثقافية والبيئية دورا كبيرا في إدراك وفهم الجوانب المالية والاقتصادية، وهو ما يوضح لنا الفروق الفردية بين الأطفال في فهم بعض الجوانب المالية مثل: دوران المال من حيث الربح والخسارة والبيع والشراء والفائدة.. وغيرها من التعاملات المالية، فعلى الرغم من بساطة وسطحية إدراكات الأطفال عن هذه الجوانب، إلا أنهم يتقدمون خطوة أخرى في إدراكها عندما يضعون أسبابا لها، صحيح أن معظم هذه الأسباب مغلوطة وخاطئة، وتصل إلى حد السذاجة، إلا أنها تعتبر دليلا على نمو الإدراك المالي للطفل.



إن العلاقة بين المال وإدراكه عند الأطفال هي علاقة تأثير وتأثر، وقد رأينا كيف يؤثر إدراك الطفل بالقيم الاقتصادية المالية التي يعتقدها ويؤمن بها خصوصا أن هذه القيم لها صبغة وجدانية قوية يجعل منها الطفل موازين يزن بها أفعاله ويحكم بها على الكثير من الأشياء، ولا سيما إذا كانت معتقداته المالية في طورها البدائي الذي يرى أن المال كل شيء ويستطيع شراء كل الأشياء.



وإن كثيرا من الأفكار النمطية عن المال عند الأفراد هي نواتج لسلوكيات الوالدين والبيئة المحيطة بهم في مراحل حياتهم، حيث أثرت بشكل مباشر في معتقدات وقيم الفرد، حتى بعد مرحلة الطفولة فتعمل على تشويش الإدراك، وتحدث نوعا من الخلل والارتباك في علاقة الفرد بالآخرين وعلاقته بالمجتمع نتيجة المبالغات وتصنيفات وتقسيمات للناس حسب وفرة المال لديهم، وبنوع من إهمال الفردية والخصوصية نجد أفكارا مشوهة وقد تظهر شدة خطورة هذه الأفكار المالية في أنها قد تصبح قوالب جامدة تظل راسخة في الذهن فتؤثر في سلوكيات الفرد، فيندفع وراءها بتكوين تعميمات ومبالغات تعمل على تشويه دلالات المال وتبرر للفرد سلوكيات غير سوية في سبيل الحصول عليه.