شاهر النهاري

حفلة كباب الميرو

الجمعة - 07 أكتوبر 2016

Fri - 07 Oct 2016

حبيب بسام موظف حكومي يعمل في غير تخصصه، ويعول ثمانية أفواه فتية لا تشبع، ولكنهم مثله راضون بما يحضره لهم من أغراض ومشتريات بسيطة، حسب ما يتبقى من مرتبه المسروق؛ الذي ينزل في حسابه البنكي بعد خصم قرض السيارة، وقرض البنك، وإيجار الشقة، ثم يكاد يضمحل بين أيادي بقية الديانة، الممتدة كشبكات عنكبوت تقتنص كل ريال يحاول الطيران من بين خيوطها.



أبناؤه الصغار أدمنوا طبقهم اليومي، من المكرونة سريعة الصنع، وكم يتشوقون لطعم اللحم، والذي قد يجدون بعض قطعه الصغيرة في بعض وجباتهم، ولكنهم لا يشبعون من طعم اللحم على أصوله، إلا مرة واحدة بالشهر، وبالتحديد في يوم نزول الراتب، حيث تعود بسام يومها أن يحتفل بطريقته (الفنجرية)، فيمر في طريق عودته على محل كبابجي رخيص يعرفه من سنوات، ويشتري ثلاثة كيلو من كباب الميرو، بطحينتها، وخبزها، ويحرص على أن يصل به إلى البيت، وهو لا يزال (يلهلب).



وتفيض مشاعر بسام بغبطة السعادة وهو يضع صحن الكباب في منتصف السفرة، ويرقب بعينه المتحدية لقسوة ظروف الحياة نشوة وجوه الأفراخ زغب الحواصل حول السفرة وهم يدورون ويتقافزون متنافسين للحصول على كامل حصصهم من كباب الميرو.



ساعتها كان بسام يشعر باستقرار مملكته، وينظر لعين زوجته الحبيبة الرضية، ويحمد الله؛ ولم لا، وقد تأكد أن شعبه الصغير ينعم في حلل السعادة، وها هم يشبعون بعد أن حجرتهم أمهم عن تناول (الفشفاش)، حتى لا تنسد أنفسهم، وجهزت لهم طبق السلطة، وشراب بطعم البرتقال، ولم لا والليلة عيد كباب الميرو المنتظر عند الجميع.



في عمله كان بسام (يكرف) كثيرا، ويجلس من حاله في باله، حتى إن هاتفه بدون (واي فاي)، ولم يكن يحفل بمجموعات ومواقع التواصل، ولا يشارك في حوارات وإشاعات تخص العمل، ولا يسيء مطلقا للوطن، ولا يهتم لوزير رحل، ولا بمسؤول أتى، ولم يكن يهتم بمكافحة الفساد، الذي يراه بعيني النزاهة، ويغض الطرف، ويهتم فقط بإدارة أحوال أسرته، والمحافظة على سيارته، ومراعاة ميزانيته التي تزداد صعوبة مع كل زيادة أسعار، ومع تبدل سياسات الوطن الداخلية والخارجية، ولم يكن يهتم كثيرا للأخبار، إذ كانت لديه ثقة تامة بأن الله لن يتركه يغرق في محنته، وأن الحكومة الرشيدة قادرة على تخطي جميع الصعوبات، بالطرق المضمونة والمراعية لأحوال من هم مثله.



تشتعل الأحاديث في مقر عمله صباح ذلك اليوم، فالكل يحسب بقلق، ويطرح ويجمع، وبعض زملائه يسألونه، كم سيصبح مرتبه بعد خصم البدلات!

ويكاد (يطنشهم)، بروحه القنوعة الراضية، وأن ينبذ الإشاعات؛ ولكن يبدو هذه المرة أن الأمر أكيد وخطير، خصوصا أنه يسمع منهم (طراطيش)، كلام عن قانون يسمى (جاستا)، والعقوبات الدولية المتوقعة على الوطن، وهو لا يفقه في السياسة، ولا يريد أن يتعمق فيحمل هما ليس له، ولكن الحوارات الساخنة حوله تستمر، وكأنه أصبح يعمل في وكالة أنباء.



تدمع عينا بسام ليلا وهو يخبر أفراد أسرته المطرقين حوله بخنوع وحزن عن أخبار التقشف وربط الحزام منذ اليوم؛ ويصدر قراره الصعب على أنفسهم بأن حفلة كباب الميرو ستصبح كيلو واحد بداية كل شهر ميلادي.



[email protected]