هبة قاضي

أنت في الشارع

دبس الرمان
دبس الرمان

الجمعة - 07 أكتوبر 2016

Fri - 07 Oct 2016

هل تعرفون مارلين مونرو؟ حسنا، كلنا نعرف تلك الممثلة الأمريكية من حقبة الستينات، والتي كانت رمزا للجمال والنجاح، والتي وجدوها ميتة في غرفتها في فندق فخم بعد أن أقدمت على الانتحار. إنها تلك الحسناء التي خطفت الأضواء، والتي كانت أخبارها تغطي جميع الصحف والمجلات، ولا يخلو حديث من تداول تحركاتها وآخر مغامراتها، ويتهافت صناع الأفلام والشركات للفوز بمشاركتها في أفلامهم وإعلاناتهم. هل تعلمون لماذا انتحرت؟ لماذا قررت أن الحياة لم يعد فيها ما يستحق العيش؟ لماذا ألقت بكل ما كانت تحلم به وعملت جاهدة حتى وصلت إليه في دقيقة وفضلت عليه جهالة الموت؟



إنه فقدان الخصوصية، نعم فقدان الخصوصية، أيمكن تصديق ذلك؟ يقول الخبراء إن فقدان الخصوصية ينزل بالإنسان من مرتبة البشرية العاقلة، إلى مرتبة الحيوانية والغريزة الصرفة. فمشاركتك الناس لأدق تفاصيل نفسك وحياتك يحولك من إنسان متمدن يحرس ويصون عورته النفسية والجسدية، إلى كائن غوغائي يتمشى عاري النفس والجسد ولا يفرق ما بين كهفه أو عشه وما بين الأماكن العامة، وبالتالي لا يفرق بين التعاملات والممارسات اللائقة بكليهما. فإذا ما سقطت يوما أو فكرت بالتراجع أو رغبت في لحظة مع نفسك لتفرح أو تحزن أو مجرد أن تكون طبيعيا بمساحة معينة من الخصوصية، لا تتفاجأ حين لا تستطيع، فمن جهة إدمانك الجائع الذي سيتضارب مع فطرتك السوية بالخلوة لنفسك، ومن جهة أخرى اختراقات الناس وعيونهم وألسنتهم التي ستظل تتابعك مطالبة إياك بالمزيد من العروض، بالمزيد من المادة الملهية، بالمزيد من قصعات خصوصيتك لإشباع إدمانهم هم أيضا.



لطالما شعرت أن هناك شيئا خاطئا في عرض الشخص لتفاصيل نفسه، وحياته الخاصة بإفراط. ولطالما شعرت أن هناك انتهاكا لخصوصيته حتى وإن كان هو راضيا والمشاهد راضيا، ولكنه مثل الحق العام الذي يظل الشخص مطالبا بتأديته حتى حال تنازل الطرفين حفاظا على المصلحة العامة.



عزيزي يا من تعرض حياتك ونفسك وتفاصيلهما بالليل والنهار، افعل ما تشاء ولكن خذ في الاعتبار شيئين، الأول سم الأشياء بمسمياتها واعترف أن ما حصل لك هو إدمان، والإدمان حالة نفسية مشخصة بأنها مرض، والمرض يحتاج العلاج. والثاني، كف عن خداع نفسك ومن حولك بقولك إن ما تفعله لا يؤثر في حياتك الشخصية ولا ينال من علاقاتك ولم يجعلك بأي شكل من الأشكال أكثر اهتماما بالمظاهر بحكم عرضك للكثير من نفسك، ولم يجعلك أكثر سطحية بحكم غرقك في ما يرضي الناس. والأهم اعترف بأنك أصبحت تعيش في الشارع الآن.



[email protected]