الحكمة رأس للعلوم وميزان للأدب وتنقيح للأفهام

خلق الله العقل سناما للنفس البشرية تتنازع بين جنباتها الروح والمادة، تتوق الأولى شوقا للسمو والرفعة، والثانية تركن لخصائصها البشرية، والعقل بين هذه وتلك يمحص ليختار ويوجّه الخُطى إما إلى الخطأ أو أن يكون مقودا للخير والصواب من خلال الحكمة التي كانت وستظل هي أعلى المراتب التي يمكن أن يتربّع الإنسان على عرشها، فبعد أن تكتمل لديه المعرفة ويصل الإنسان إلى الدرجات العلا من السكينة والاتزان تحصل الحكمة ويكون بذلك الحكيم أعلى شأنا من الفيلسوف.

خلق الله العقل سناما للنفس البشرية تتنازع بين جنباتها الروح والمادة، تتوق الأولى شوقا للسمو والرفعة، والثانية تركن لخصائصها البشرية، والعقل بين هذه وتلك يمحص ليختار ويوجّه الخُطى إما إلى الخطأ أو أن يكون مقودا للخير والصواب من خلال الحكمة التي كانت وستظل هي أعلى المراتب التي يمكن أن يتربّع الإنسان على عرشها، فبعد أن تكتمل لديه المعرفة ويصل الإنسان إلى الدرجات العلا من السكينة والاتزان تحصل الحكمة ويكون بذلك الحكيم أعلى شأنا من الفيلسوف.

الاحد - 18 مايو 2014

Sun - 18 May 2014



خلق الله العقل سناما للنفس البشرية تتنازع بين جنباتها الروح والمادة، تتوق الأولى شوقا للسمو والرفعة، والثانية تركن لخصائصها البشرية، والعقل بين هذه وتلك يمحص ليختار ويوجّه الخُطى إما إلى الخطأ أو أن يكون مقودا للخير والصواب من خلال الحكمة التي كانت وستظل هي أعلى المراتب التي يمكن أن يتربّع الإنسان على عرشها، فبعد أن تكتمل لديه المعرفة ويصل الإنسان إلى الدرجات العلا من السكينة والاتزان تحصل الحكمة ويكون بذلك الحكيم أعلى شأنا من الفيلسوف. فالحكمة هي المرتبة التالية بعد الفلسفة، إنها ذروة الذرى وغاية الغايات، وهنيئا لمن يُهدى إلى الحكمة والرشاد. إن الحكمة الإنسانية تعني وضع الشيء في موضعه، وهي فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي لتنبثق من كينونتها وتولد من رحمها المثالية في السلوك للتأثير والتغيير في الواقع الحركي والتوجه البشري، فيوم إذ تكون الحكمة أغلى شيء يمكن أن يمنحه الله للإنسان بعد الإيمان به سبحانه وتعالى، والتحلي بمكارم الأخلاق، فهي أمل يرنو لبلوغه الصفوة والأخيار من أرباب العقلانية والأفكار. فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.

عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال ضمني رسـول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى صدره وقــال:

(اللهم علّمه الحكمة). فالحكمة رأس للعلوم وميزان للأدب وتنقيح للأفهام وملتقى للأفكار، والناتج الصحيح لقوة الأذهان وترويض النفس البشرية على بلوغ أقصى الدرجات في التحمل والجلد والصبر والمثابرة لتمام الأمر على نحوه الأمثل، وبالحكمة تنطفئ نيران الفتن وتوأد في مهدها حتى لا تشتعل فتأكل الأخضر واليابس وتأتي على المقدرات البشرية، فيومئذ تنهض الحكمة لتضرب الأمثال في التحاور والتشاور لتخلص بذلك إلى رجحان عقلي يعمد إلى تغليب المصالح العليا للبشرية على المنافع الخاصة، وتنحي جانبا التنابذ والتشاحن حتى تسود بين الخلائق في هذا الوجود روح المحبة والإخاء ليبقى في رحابها الضمير البشري طائرا على هامات الوفاق والوئـام، تُبعث به ومن خلاله المُثل العــليا التي جاء النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ليتممـها (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، بالحكمة تنطفئ نيران الغضب وثورة الرعونة، وتُقطع رؤوس الشياطين وتكمم ألسنة اللهب، وتقطع الطريق على المخربين الذين ما عمدوا إلا إلى كل خراب ودمار يدفعون بالبشرية دفعا إلى أخدود الجحيم الذي يودي بكل ألوان الحياة إلى واديه السحيق. فالحكمة رأس للعقل وبرهان للحجة ونبراس للتيه البشري بعد أن تاهت منه ضالته في فلاة الانفلات، فحتما تقوده حكمته المنشودة لتجنّبه موارد الهلاك، والقوي من أمسك بزمام نفسه عند الغضب. إن الأخذ بناصية الأمور لا يكون إلا بحكمةٍ عظيمةٍ تحسب لكل شيء حسابه، فتحسب حسابا للتهور والانقياد للغضب الأعمى الذي لا تُحمد عقباه، فيدور الإنسان يومها في رحى الرعونة والحماقة والضلال لتهوي به في مسالك الضلال ودروبٍ من الكبر العضال، وتحسب حسابا للتعقل والتحكم في هوى النفس واندفاعاتها من خلال منهج عقلاني مستنير ينأى بالعقل عن السقوط في مرتع الحمق الآسن الأسيف ليأخذه ويعلو به إلى مرتبة الصفوة من الحكماء ليكون من خلال صوت الحكمة لديه رأيٍ ثاقب وفهم مواكب لكل حادثةٍ وحديث، عندئذ يأتي إليه الواردون الباحثون عن المناقب. فالله كرم الإنسان بالحكمة الشمّاء والعقل الأريب ليميز الإنسان به بين الخبيث والطيب، فمن هُدي بهذا العقل الذي كرمه الله من أجله إلى الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيرا، فالحكمة هي ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها.