محمد العوفي

المشروعات المتعثرة .. صحيفة لم تطو بعد!

الخميس - 06 أكتوبر 2016

Thu - 06 Oct 2016

تعثر المشروعات الحكومية، أيا كان نوعها أو الجهة التي تتبعها، يعطي دلالة أن هناك إهمالا وتسيبا وعدم متابعة لها، واللوم هنا يقع على كل الجهات المعنية في متابعة تنفيذ تلك المشاريع، لأن المسؤولية مشتركة والإهمال والتسيب لا يقتصران على مرحلة معينة، فقد يكونان في المرحلة المتعلقة بطرح المناقصات ووضع المواصفات والمعايير، أو في مرحلة فتح العطاءات وإرساء المشروعات، أو في مرحلة التنفيذ والمتابعة، أو في إجراءات التسليم وتوقيع المستخلصات المالية.



ومصطلح تعثر المشاريع الشائع استخداما في قاموس الجهات الحكومية، هو عدم اكتمال تنفيذ المشروع في وقت التسليم المحدد، لكن التعثر بمعناه الحقيقي يشمل أي مخالفة للشروط والمواصفات التي تم الاتفاق عليها في العقد، وبالتالي يمكننا اعتبار أي مشروع لا يلتزم بهذه الشروط والمواصفات مشروعا متعثرا، لأن الإخلال بها سيؤثر على جودة التنفيذ، وسيقود إلى ظهور عيوب ومشاكل في المشروع -أيا كان هذه المشروع مبنى أو طريقا- أو في بعض مكوناته التي تحتاج إلى صيانة وإصلاح، وقد تعطل الاستفادة منه لفترة موقتة قد تطول وتقصر على حسب حجم الخلل، مما يضطر الجهة الحكومية للبحث عن مبني بديل حتى تكتمل عملية الصيانة ومعالجة الخطأ، أو مبنى دائم إذا كان الخطأ جسيما.



وتعثر المشاريع في الأصل يكشف أن هناك سوءا في اختيار الشركة المنفذة وقدرة المقاول، أو أن هناك شكا في درجة التصنيف الذي حصلت عليها إذا ما علمنا أن هناك مشاريع ترسى على شركات ذات تصنيف عال، ومع ذلك تتعثر، أو أن هناك مشكلة في نظام المناقصات الحكومية، أو أن هناك خللا في المتابعة من قبل المهندس المشرف على المشروع في الجهة الحكومية.



رقميا، لا توجد أرقام دقيقة حول تكلفة المشاريع المتعثرة اقتصاديا، وهناك تناقض في الإحصاءات الرسمية فبعضها يشير إلى وجود أكثر من 30% من المشاريع الحكومية المتعثرة بقيمة إجمالية تزيد على 100 مليار ريال سنويا، فيما تقارير رسمية أخرى تشير إلى أن حجم المشاريع التي تم تنفيذها بالوقت المحدد يبلغ 25%، و50% من المشاريع الحكومية متأخرة عن موعدها، فيما نشرت صحيفة الوطن تقريرا في 4 أكتوبر 2016 يشير إلى أن 40% من المشروعات متعثرة.



على أي حال، تقدير عدد المشاريع المتعثرة وتكلفتها المالية والاقتصادية غير وراد في حسابات وزارة المالية والجهات الحكومية إطلاقا، وما ينشر عنه في الصحف لا يعد سواء كان تخمينات قد تكون قريبة من الواقع، وقد تكون بعيدة عنه، أو أن الوزارة تملك هذا الرقم، لكنها تعتبره سرا من أسرارها التي لا يجب الكشف عنه، أيا كانت الأسباب خلف التعثر ومبررات عدم الإفصاح عن هذه الأرقام، فإنه لا يعطيها الحق في تغييب هذه الأرقام بما يتناقض مع مبدأ الشفافية والوضوح أولا، علاوة على أن هذه المشاريع بنيت من أجل تسهيل حياة المواطن، ومن حقه معرفة مصيرها ثانيا.



بالتأكيد، لا أحد يتمنى أن يتعثر مشروع واحد حاضرا أو مستقبلا، لكن الأمنيات شيء، والواقع شيء آخر، وصحيفة المشروعات المتعثرة لم تطو بعد، وفيها متسع لكتابة مشاريع أخرى، فالمداد لم يجف بعد، والخطاطون كثر.



والنقطة الأهم من ذلك كله أن العبرة ليست بعدد وحجم عقود المشاريع التي يتم توقيعها سنويا، وهو ما كشفته وزارة المالية بين الحين والآخر، بل في عدد المشاريع المنجزة في وقتها، بما يحقق الهدف والغاية التي أنشئت من أجلها، فما الفائدة من عشرات أو مئات المشاريع التي وقعت عقودها بمئات المليارات من الريالات، وبقيت حبرا على ورق ولم تنفذ، أو بقيت متعثرة لعشرات السنين دون أن تجد من يبعث فيها الحياة ويعيدها إلى الوجود.



[email protected]