سليمان الضحيان

قانون جاستا واقتراحات الطيبين

الأربعاء - 05 أكتوبر 2016

Wed - 05 Oct 2016

قانون (العدالة ضد رعاة الإرهاب) الذي وافق عليه مجلس الكونجرس الأمريكي بغرفتيه (النواب) و(الشيوخ)، واختصر باسم (جاستا)، وهو القانون الذي يعطي الحق لأسر ضحايا الأعمال الإرهابية - وعلى رأسها هجمات 11 سبتمبر - بإقامة دعاوى تعويض ضد حكومات أجنبية بدعوى إعانة الإرهابيين سواء بطريق مباشر أم غير مباشر، وهي تعويضات هائلة؛ إذ تقدر خسائر الحادي عشر من سبتمبر بـ (2،5 ترليون دولار)، ولست بمعرض تحليل آثار القانون وأبعاده، فهذه مهمة المحللين السياسيين، وقد أسهبوا بذلك، وما يلفت النظر، ويستدعي الوقوف عنده محليّا أن هذا القانون وما رافقه من تغطيات إعلامية أثار موجة هائلة من التحليلات من جميع طبقات المجتمع، وانخرط الجميع في التحليل السياسي له، وأبعاده، وكيفية التصدي له، وشملت قائمة المنخرطين في التحليل قائمة طويلة من مفكرين، وصحفيين، ومشايخ، وطلبة علم، ودعاة، ووعاظ، وأساتذة جامعات، ومدرسين، وجمهرة عريضة جدا من العوام الذين لا فقه لهم في أبجديات السياسة.



هذا الانخراط من جميع تلك الفئات يكشف عن أمرين، الأمر الأول: أن قضايا الشؤون العامة، سياسية كانت أم اقتصادية أم غير ذلك مهما كانت تعقيداتها أصبحت في متناول الرأي العام، إذ إن وسائل الاتصالات الحديثة جعلت الفرد مهما قلَّ شأنه وثقافته يعيش الحدث نفسه، وهذا ما يدفع قطاعات عريضة من المجتمع للانخراط في النقاش والتحليل وطرح الحلول، وهذا بدوره يوجب على القطاعات الرسمية المبادرة لشرح الأحداث، وتفسير بعض القرارات لوضع عامة الناس أمام الصورة الواقعية بجميع أبعادها دون تهويل أو تقليل من حقيقة ما يحدث.



الأمر الثاني: استسهال التحليل السياسي وطرح الحلول لقضايا سياسية معقدة وعويصة تستلزم الإحاطة بها الاطلاع على ما يتم خلف الكواليس، وهو - غالبا - أضعاف ما ينشر عنها، ويطرح للرأي العام، فإقرار قانون (جاستا) كشف عن هذا الاستسهال في التحليل وطرح الحلول من بعض من له حضور اجتماعي أو دعوي، وله جماهيرية تتلقف ما يطرح على أنه حقائق، فقد تبرع جمهرة من الطيبين منهم باقتراحات للرد على قانون (جاستا)، وهي اقتراحات يطرب لها الجمهور العاطفي، لكنها تبين عن فقر مدقع للواقع السياسي والاقتصادي المعقد، فمن تلك الاقتراحات فك الارتباط بين الريال والدولار دون النظر إلى ما يتبع ذلك من ضرر على الريال نفسه من تذبذب قيمته، واهتزاز ثقة المستثمرين فيه، وتعرضه للمضاربة، وغير ذلك مما يذكره الاقتصاديون.



ومن الاقتراحات – أيضا - مقاطعة المنتجات الأمريكية، وكأن في استطاعتنا تطبيق المقاطعة، مع حاجتنا الماسة للصناعات الأمريكية خاصة فيما يخص منتجات الحاسب الآلي، وقطاع صناعة النفط والسيارات، هذا فضلا عن الصناعات العسكرية المتقدمة التي نحن بحاجة إليها، وهي لا تتم إلا ضمن معاهدات ورقابة من الكونجرس.



ومن الاقتراحات - أيضا - فك التحالف مع الولايات الأمريكية وبناء تحالفات جديدة مع الصين، وكأن التحالفات مع الدول الكبرى مثل ركوب حافلة ثم تركها وركوب حافلة أخرى دون النظر إلى المصالح العليا للوطن، وواقع المنطقة، وتعقيدات متطلبات التحالف، وما يتبعه من بناء استراتيجيات في مختلف المجالات.



ومن الاقتراحات تفعيل مقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية على ما ارتكبته في دولنا العربية، وكأن بمقدورنا فعل ذلك، فعلى فرض صدور أحكام لدينا في العالم العربي ضدها، فأي فائدة في هذا؟ فأحكام القضاء إنما قيمتها بالقدرة على تنفيذها إما بالضغط العسكري، أو الحصار الاقتصادي، أو النبذ الدولي من خلال حمل الحلفاء على تخفيض التمثيل الدبلوماسي معها أو قطعه، وهل بمقدور الدول العربية فعل ذلك؟



أعتقد أنه ليس مطلوبا من الدعاة والوعاظ وعلماء الدين في مثل هذه الظروف اقتراح حلول للرد على ما حدث، بل المطلوب منهم تقوية الجبهة الداخلية وتحصينها، وتنقيتها مما قد يساهم في تسليط الآخرين علينا من مظاهر التطرف والتشدد، وإذا فعلوا ذلك فقد ساهموا بدور كبير في إيجاد الحل بطريق غير مباشر.



[email protected]