منى عبدالفتاح

الشيوخ المنتجون

الاثنين - 03 أكتوبر 2016

Mon - 03 Oct 2016

مر اليوم العالمي للمسنين في الأول من أكتوبر دون انتباه، ونخشى أن يعمل تكالب ظروف الحياة الضاغطة مع لهث العالم على تلاشي هذا التكريم المستحق. لا شك أن رعاية المسنين هي مسؤولية مشتركة بين أفراد الأسرة والمجتمع، وهي مظهر من مظاهر التكامل الاجتماعي في جميع الأديان والنظم الأخلاقية والاجتماعية والقانونية.



تحرص مجتمعاتنا على بقاء المسنين بين أهلهم وتحت رعايتهم، فيتم الاعتناء بهم في جميع النواحي، سواء كانت صحية أو نفسية أو اجتماعية. وتهتم الأسر بالناحية الصحية والاجتماعية وقد تنسرب بسبب عدة مؤثرات على الحالة النفسية للمسنين، حيث تعد الحالة النفسية عندهم محصلة لعدة عوامل يؤثر كل منها سلبا أو إيجابا بدرجة أو بأخرى، وبذلك فهي ليست حالة نمطية واحدة تشمل الجميع وإنما لكل فرد منهم حالته الخاصة تبعا لتعرضه لتأثير العوامل المختلفة ومدى تأثره بها، ولذلك تبدو هناك خلافات كثيرة بين المسنين في البيئات المختلفة بل وفي

البيئة الواحدة لتجعل حالة كل منهم خاصة به وحده.



ويلاحظ أن بعض المسنين يميلون إلى المبالغة في قدراتهم وصفاتهم، يصاحب ذلك قدر من التركيز على الذات، وقد تظهر على البعض منهم مظاهر الغيرة والأنانية ومحاولة الاستئثار بالاهتمام ولفت الانتباه والحرص الشديد على الممتلكات الشخصية مهما كانت قيمتها، وقد تظهر على البعض منهم صفات الشك وخاصة في أي جديد، والانتقاد المستمر لتصرفات الآخرين وعدم الثقة والتهوين أوالمبالغة في أحداث الحياة اليومية. كما قد يقود ذلك إلى نوع من عدم السيطرة على المشاعر وعدم الاكتراث بضوابط السلوك، وربما يصل الأمر إلى الانسحاب والعزلة ويمثل ذلك خطرا كبيرا على حياة المسن.



نستطيع القول إن سلامة الحالة النفسية للمسنين تتطلب تأمين الاحتياجات المادية في كل جوانبها، وكذلك تأمين الحاجات النفسية ليس بالعواطف ولا الإحسان وإنما بتهيئة المناخ للمسن كي يحتفظ بدور مشارك في الحياة يشعر فيه بأهميته، ويتواصل في علاقات اجتماعية تعوض له مفتقداته وتملأ كل الفراغات الموحشة التي قد تحيط به.



هذه واجبات لا جدال حولها ولا يجب أن ينتقص منها، ولكن ماذا لو تم العمل على آلية دمج هذه الشريحة في الحياة العامة مرة أخرى، بدلا من إقصائها حتى ولو على سبيل الرعاية وإحاطتها بالعناية الفائقة.



وهنا كتجربة مثيرة للاهتمام، جاءت في الصادر « تحقيق العمل اللائق في آسيا » كتاب عن مكتبة العمل الدولي ومقره جنيف، مستندا على فعاليات الاجتماع الإقليمي الآسيوي الرابع عشر في جمهورية كوريا عام 2006 ؛ ضرورة الاستفادة من المسنين وتمت تسميتهم بالشيوخ المنتجين. تستصحب هذه التجربة واقع المسنين اليوم، وما قد ينتج عنه من تغير للصورة الديمجرافية

للمجتمعات من انخفاض أعداد الولادات وارتفاع نسبة المسنين وبالتالي ارتفاع الطلبات على المعاشات التقاعدية لهم. إذا سارت الأمور على هذا المنوال فسيتزايد أيضا الطلب على الخدمات الصحية مما قد يمثل تحديا وضرورة لمراجعة نظام الحماية الاجتماعية.



اقترح الكتاب، بما أن كثيرا من المسنين لا وقد لا يرغبون في ذلك، « التقاعد » يستطيعون تمديد الحياة العملية وتعزيز قابلية استخدام العمال المسنين في أعمال تليق بهم وتناسب مقدراتهم.



بني هذا الاقتراح على تجربة البلدان الصناعية الكبرى المتقدمة، والتي تقوم بعض الشركات فيها بتكييف سياسات وظروف مكان العمل مع احتياجات العمال المسنين. ووجد الكتاب فرصة في أن يدعو البلدان الآسيوية التي تشيخ بسرعة، لتتعلم من هذه التجربة، وبالفعل قامت دول، مثل الصين واليابان، بتطبيق هذه التجربة. بقي أن تحذو الدول العربية هذا النهج لتحفظ للمسنين كرامتهم

من غوائل الزمان وغدره.



[email protected]