صالح عبدالله كامل

عام هجري جديد

الأحد - 02 أكتوبر 2016

Sun - 02 Oct 2016

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم..

اللهم ما عملت من عمل في السنة الماضية ولم ترضه، ونسيته ولم تنسه، وحلمت عني مع قدرتك على عقوبتي، ودعوتني إلى التوبة بعد جرأتي عليك؛ اللهم إني أستغفرك منه فاغفر، اللهم وما عملت من عمل ترضاه.. ووعدتني عليه الثواب والغفران فتقبله مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم يا أرحم الراحمين.



اللهم هذه سنة مقبلة لم أعمل في ابتدائها عملا يقربني إليك زلفى غير تضرعي إليك، فأسألك أن توفقني لما يرضيك عني من القيام لما لك علي من طاعتك، وألزمني الإخلاص فيه لوجهك الكريم في عبادتك، وأسألك إتمام ذلك علي بفضلك يا رب ورحمتك. اللهم إني أسألك خير هذه السنة المقبلة؛ يمنها ويسرها، وأمنها وسلامتها ونورها وبركتها، وأعوذ بك من شرورها وصدودها وعسرها وخوفها وهلكتها، وأدعوك ربي أن تحفظ علي فيها ديني الذي هو عصمة أمري، ودنياي التي فيها معاشي، وتوفقني فيها إلى ما يرضيك عني في معادي.. قارئي العزيز.. كل عام وأنت بخير.. مع مطلع عام هجري جديد هو العام 1438 ه.. نحو أربعة عشر قرنا ونيف، ونحن نحتفل في مطلع كل عام منها بهذه الهجرة الرمزية والتاريخية التي وضعت للدنيا تاريخا جديدا، وصنعت للبشرية ميلادا مجيدا، لقد كانت هجرة من رسول الله إلى الله، وهجرا من الظلم إلى الحق، ومن الجهل إلى نور العلم، ومن الكفر إلى الإيمان.



إنها الرحلة الأعظم في تاريخ الإسلام الذي مهد للبشرية فجرا جديدا فانطلقت جحافل الخير والنور إلى كل البقاع تحمل الخير في طياتها وتبعث النور من جنباتها تبددت عصور الظلام، وارتفعت حصون الحق والسلام.. رحلة من الشك إلى اليقين، رحلة من الشرك إلى الحق المبين، فصلاة ربي على المبعوث رحمة للعالمين.



إنها الذكرى المتعاقبة التي تحمل في إشراقاتها كل الحمد والثناء لله الرحمن الرحيم، الذي أكرم الدنيا رسولا منهم يتلو عليهم آياته » فبعث إلى الناس ويعلمهم الكتاب والحكمة.. إذ يقول لصاحبه لا تحزن صدقت يا سيدي يا رسول الله، كيف ،« إن الله معنا نحزن ونحن ندرك أن الله معنا، وكم أدعو في مطلع هذه السنة أن نكون مع الله، كم أتمنى في بداية هذا العام أن نعود جميعا إلى الله. نلجأ إليه ونعتمد عليه، فهو سندنا وحسبنا ونعم الوكيل.. هاجرت يا رسول الله متجها..



نحو المدينة دارا كنت تبغيها أهل المدينة أنصار الرسول لهم.. في الخلد دور أعدت في أعاليها لقد كان في رأيي المتواضع أعظم ثمار هذه الهجرة النبوية الشريفة، ذلك التآخي وتلك الأخوة في الله نصرة له ولرسوله عليه الصلاة والسلام.. والناظر إلى حال أهل المدينة المنورة قبل هجرته عليه الصلاة والسلام إليها يدرك أنهم كانوا أقواما شتى بين أوس وخزرج، وفي وسطهم يهود يأكلهم الحقد والغيرة من بعثة المصطفى النبي الأمي الخاتم، رغم ما ورد في كتابهم ويعرفه علماؤهم. وسبحان من ألف بين قلوبهم، فأصبحوا بنعمته إخوانا.. وكأن الله أراد لمدينة رسوله أن تكون النموذج الأول والأكبر في وحدة المسلمين، وجمع كلمتهم على الحق.. وكانت المرحلة الأولى في بناء الدولة الإسلامية القائمة على العدل والمساواة. فكان نموذج التآخي هذا محققا للكثير من الأمور التي يحتاجها الناس للانطلاق إلى نصرة الدين وإعلاء الكلمة بتوحيد الصفوف. فوظف عليه الصلاة والسلام من أجل تحقيق التكافل الاجتماعي وتخفيف ألم الفراق للمهاجرين ووحشته.. وظف حاجات المهاجرين إلى الأنصار، والأنصار إلى المهاجرين. فقد عرف عليه الصلاة والسلام، حاجة المهاجرين إلى الأنصار في النصرة والحماية والمواساة بالمال والمتاع، وحاجة الأنصار إلى المهاجرين في تعليمهم أمور دينهم وقراءة القرآن الكريم.. فجادت روافد المحبة بعذب مائها، وفاض الكرم إيثارا وتضحية، فجاء المجتمع الإسلامي الجديد حافلا بالتعاون والمحبة والتناصح، والثبات على المبادئ في السراء والضراء، حتى غدت عاصمة الإسلام الأولى مركزا لتنظيم العلاقات بين الأفراد في الداخل، ونموذجا لرسم العلاقات بين المسلمين وجيرانهم في الداخل والخارج. وهكذا انتصرت إرادة هذه الهجرة المباركة على الجاهلية والعصبية والقبلية، فكانت كلمة الله هي العليا. وكلما مرت الأعوام وتعاقبت الأيام، وبقي المسلمون على بعدهم من تلك المبادئ، وعلى نأيهم عنها، زادوا فرقة وزادوا على الناس هوانا.. وزاد تكالب الأكلة على قصعتها. حتى غدت الهجرة اليوم تحمل مفهوما عكسيا، فبدلا من أن تكون من مواقع الشرك إلى مواطن الإيمان.. صار الناس في عالمنا العربي والإسلامي – خاصة في تلك البلدان العزيزة التي ذبل ربيعها وأمسى خريفا جافا - وصيفا ملتهبا على مدار الفصول، يأتي إليها الشتاء ليزيد من رجفة اللاجئين في العراء، وحين يهب عاصف الريح يأتي على خيام الإيواء، كل هذا يحدث لنا ويتجلى عاما بعد عام ونحن لا نملك إلا أن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. جاءت امرأة تسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد كانوا في حالة حرب فقالت له: متى ستنتهي هذه الحرب؟



عندما يمتلئ الوعاء » فقال لها الحبيب عليه السلام .« بحسبنا الله ونعم الوكيل ولأنه لا ينطق عن الهوى، فكل ما يقوله عليه الصلاة والسلام يطابق ما ورد في القرآن الكريم، بل هو مشتق ومستنير بما جاء فيه.. وكما ذكرت في مرات سابقة: أن المعيار الأقوم والأسلم لمعرفة الحديث الصحيح من غيره هو ما جاء فيه مطابقا ومتفقا مع كلام الله جل في علاه: يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة آل عمران: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، ثم جاءت تكملة الآيات الكريمة لتؤكد النتيجة العظيمة: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم).



وصدق الله القائل في الآية الحادية عشرة من سورة الرعد: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وهذه كما غيرها من آيات الله، آية عظيمة، تؤكد – ما هو مؤكد – من عدل الله وحكمته، فقد أوضح أن تغيير الحال مرهون بتغيير الأحوال. فالشر لا يصرفه إلا الانتقال إلى الخير، والفساد لا يدفعه إلا الرجوع إلى التقوى، والظلم لا يرفعه إلا العودة إلى الحق. فلا أسلحة ولا جيوش ولا مال ولا جاه يحقق لأصحابه العزة والمنعة إذا لم يعودوا إلى الله.. (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) - فاطر الآية العاشرة.



والكلم الطيب هو ما يخص ذكر الله شهادة وتسبيحا واستغفارا ودعاء لا ينقطع، وأما العمل الصالح فهو كل عمل يقدمه العبد ويفعله خالصا لوجه الله تعالى، وليس لإرضاء الناس أو استمالة لقلوبهم لكسب أغراض دنيوية لا تغني ولا تسمن من جوع. اللهم إنا نسألك في مطلع عامنا هذا أن تجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسألك أن تردنا إليك مردا جميلا، وأن تنزع الدنيا وحبها من نفوسنا وتغرس في أرواحنا الشوق إليك، وأن ترزقنا التوكل عليك، وأن تكتبنا من المقبولين لديك.



اللهم أعد علينا الأيام المباركة وأمتنا المسلمة في خير حال، متمسكة بكتاب الله وهدي رسول الله. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، فبغير الحق لن نسود، وبغير البعد عن الباطل أبدا لن نعود.



كل عام وإمامنا بخير وصحة وسلام، وولاة أمرنا رافلين في حلل التوفيق والسداد، وبلادي العزيزة آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين، بل والعالم كله في خير ومحبة ووئام.



[email protected]