العقيلات من بريدة إلى هوليوود من ثمانين عاما
السبت - 01 أكتوبر 2016
Sat - 01 Oct 2016
في سرد مباشر ممتع ينقلنا كتاب (رحلتي مع العقيلات) للكاتب إبراهيم المسلم الصادر عن الجمعية السعودية للثقافة والفنون في طبعته الثانية عام 1408 - 1988م إلى عوالم ساحرة موثقا رحلته مع والده وهو ابن الثانية عشرة منطلقا في قافلة قوامها مئتان من الإبل في عام 1363 - 1943م والحرب العالمية الثانية على أشدها.
والعقيلات تسمية لتجار انطلقوا طلبا للرزق من بريدة في القصيم نحو الأردن والعراق والشام وفلسطين ومصر، ووصل بعضهم إلى تركيا، وكانت رحلاتهم تمتد إلى العامين والثلاثة أعوام بعيدا عن أهلهم يواجهون خلالها الكثير من التحديات والصعاب، أهمها ندرة الماء ومخاطر قطع الطريق.
ولقد صقلت هذه الرحلات في الظروف القاسية شخصيات هؤلاء الرجال، الأمر الذي جعلهم نخبة مميزة ليس في التجارة فحسب ولكن في أمور الحياة كافة، الثقافية والسياسية والإدارية وحتى العسكرية منها.
والعقيلات لا يمثلون قبيلة بعينها ولكنهم رجال جمعتهم روح المغامرة وحب العمل، يدفعهم الطموح والمثابرة، ويغريهم الترحال عبر الصحراء شوقا إلى تحقيق الذات ورغبة في الارتقاء بالنفس والأبناء نحو فضاء المعرفة والحياة الواسعة والعيش الرغيد.
وكم هو حري بأن تبذل الجهود اليوم لإعادة رواية هذه التجارب الإنسانية النادرة ليس في الكتب وحسب ولكن حبذا كذلك في أفلام وثائقية قبل أن يغيب من بقي ممن عاصرها من الرجال، ولا أظن الأمر قد غاب على شباب القصيم المثقف رغبة في المحافظة على هذا التراث الرائع، وإن كانت هناك بعض الأعمال التوثيقية المتواضعة على اليوتيوب يشكر من قام بها.
في كتابه الذي سررت بالحصول عليه واستمتعت بقراءته خلال إجازة الحج يذكر الكاتب عنوان كتابه الأول (العقيلات) والذي ضمنه تاريخ هذه النخبة التي تستحق الإعجاب والتقدير على مستوى الوطن.
وإذا أردت أن أقتطف فقرة من الكتاب (رحلتي مع العقيلات) أجدني مأسورا بقول الكاتب: «وصلنا إلى باب العمود في القدس وبه يتوقف الأتوبيس، في هذه المحطة نزلنا أمام مكتب للشركة صاحبة الأتوبيس ودخلنا إلى أحد الشوارع التجارية الكبرى وبدأ الوالد يعرفني على معالم المدينة، آخر هذا الشارع يؤدي إلى القدس الجديدة، وهذا باب العمود وهناك بيت المقدس، وكانت الساعة قد جاوزت الواحدة، وأخذ الوالد يسرع الخطى إلى حيث أحد المحلات التجارية، فتوقفنا أمامه وكان مكتوبا عليه (شريف وعلمي٠٠٠ صراف)، ودخلنا المحل وتعانق الوالد مع أحد أصحاب المحل وبادلنا الرجل الآخر بتحية، وفك الوالد حزامه وناوله صاحب المتجر، وأخذ منه عشرة جنيهات، وأمام المحل جاء شخص ثالث أدى التحية وسأله (علمي) إن كان هناك حجرة بالفندق خالية، رحب الرجل وذهبنا معه إلى الفندق وهو مكون من أربعة طوابق، ودخلنا إلى بهو الفندق وأمام الاستعلامات سلمه الوالد ورقة الهوية وأعطانا ورقة مكتوبة أخذتها من الوالد وقرأتها: اسم الفندق (فندق باب العمود)، ودخلنا إلى إحدى الغرف في الطابق الثاني وتوضأنا وتركنا الفندق إلى المسجد الأقصى للزيارة».
هذه صورة من تعامل هؤلاء الناس وحياتهم قبل سبعين عاما يحفظها لنا الكتاب وهي تمثل مرحلة من مراحل الرحلة بعد المسار الطويل على الإبل عبر الصحراء من نجد إلى فلسطين.
والرائع أن هذه النخبة من صفوة رجالات القصيم شاركت على مدى عقود طويلة، بل قرون في إثراء المنطقة العربية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا في العهد العثماني وبداية تأسيس المملكة، واستوطن كثير منهم البلدان التي تعاملوا معها وارتحلوا إليها طلبا للرزق. ويذكر لهم التاريخ مشاركتهم في حفر قناة السويس ومساندتهم لأحمد عرابي في ثورته، وكذلك مشاركتهم في المعارك ضد الفرنسيين في دمشق كما شاركوا في كثير من أحداث العراق،الأمر الذي يجعل ما كتب عن العقيلات يتجاوز بكثير ما هو معروف بأدب الرحلات.
وأذكر أني كنت أستغرب اللهجة المصرية التي تغلب على صديقي فهد الحجيلان الفنان التشكيلي المعروف وهو ابن القصيم ومن سكان جدة الآن، ولكن زال الاستغراب عندما ذكر لي أنه من مواليد بلبيس في مصر، وأن أسرته عادت إلى المملكة بعد حصوله على الثانوية، وقد ذكر كتاب إبراهيم المسلم أن الحجيلان من رجال العقيلات الذين سكنوا بلبيس في مصر.
من أطرف ما وجدت في متابعتي لتاريخ العقيلات في ترحالهم لطلب الرزق أنه لم يتوقف على خروجهم من نجد إلى الشام والعراق أو فلسطين فقط أو الحجاز متعهدين لنقل الحجاج والتجارة ومنه إلى السودان، بل تجاوز بهم طموحهم أن انتقل بعضهم عن طريق البحر إلى العالم الجديد بعد أن تكالبت على بعضهم الديون ومنيت تجارتهم بالخسارة.
ومن القصص الغريبة في هذا أن شارك أحد أبناء العقيلات محمد الرواف في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي (أكتوبر 1893) في معرض شيكاجو الذي أقيم بمناسبة احتفال الولايات المتحدة الأمريكية بمرور 400 عام على اكتشاف كولومبوس للقارة الأمريكية! وقد شاركت في ذلك الدولة العثمانية واختارته لخبرته مشرفا على جناح الخيل والإبل في المعرض.
ومن الشخصيات التي انتقلت إلى القارة الأمريكية من أبناء العقيلات علي العساف، يرحمه الله، الذي وصل الأرجنتين (1898 ميلادي) طلبا للرزق ورغبة في سداد ديونه، وقد واجه صعوبة في بداية حياته بسبب عدم معرفته للغة، وقد يسر الله له تاجرا لبنانيا نصحه بتجارة المكسرات، فكان يدور في بداية عمله بعربة متنقلا بين الأحياء (وأظن ذلك) في بوينس آيرس حتى تمكن من تأسيس متجر صغير لتجارته في الملابس والعطارة، وقد أقام نحو 17 سنة وعاد بعدها إلى مصر وقد سدد ديونه ثم إلى القصيم حيث فك الرهن عن مزرعة والده وتوفي يرحمه الله في (1920 ميلادي). ومما يذكر عنه تشجيعه أبناء البادية في طلب العلم، فكان يدفع ريالا من فضة في الشهر لكل طالب علم يترك الرعي للدراسة.
ويعتبر عبدالله الخليفة الشخص الثالث الذي دفعته ظروف الحياة والتجارة إلى الترحال بعيدا حتى مدينة نيويورك في أمريكا، فبعد أن خسرت تجارته عرض عليه بعض تجار الشام الذين التقى بهم في الإسكندرية مرافقتهم للعناية بالخيول التي حملتها سفينتهم من الإسكندرية إلى شواطئ نيويورك عن طريق إسبانيا، كان ذلك في عام (1912 ميلادي) حيث أقام في نيويورك حوالي ثماني سنوات عمل في بدايتها أجيرا في الميناء ثم في تجارة الملابس والعطارة، كان له نشاط إسلامي في الدعوة مع بعض المقيمين من العرب والمسلمين، وكان نموذجا مميزا لرجال العقيلات الذين عرفوا بالأمانة في التجارة والصدق في التعامل، وقد عاد عبدالله الخليفة إلى القصيم عن طريق مصر بعد أن سدد ديونه واستمر في مزاولة تجارته.
والشخصية الرابعة التي استوقفتني كثيرا وأنا أتابع تاريخ هذه النخبة من أبناء ورجال القصيم هو خليل إبراهيم الرواف الذي خرج في بداية شبابه مرافقا لقافلة العقيلات إلى الشام والعراق حيث التقى بسيدة أمريكية نصحته بالسفر إلى أمريكا حيث تزوجا وأنجبا، وأقام، حيث شارك في التمثيل في فيلم من أفلام هوليوود (عملت مراسلا حربيا) كان ذلك في 1937م قبل وصول الممثل الكبير عمر الشريف إلى هوليوود بأربعة عقود يرحمهما الله.
وكانت حياة خليل إبراهيم الرواف أشبه بفيلم سينمائي وقصة درامية بامتياز كذلك، حيث انفصل عن زوجته التي أخذت ابنها نواف منه وتركته، وقد تزوجت من أحمد زكي أبوشادي رائد الحداثة الذي تبنى ابنه وغير اسمه إلى كلايف أبوشادي، وبعد وفاته انتقلت الأم مع زوجها الأخير البريطاني وأقام نواف (كلايف) حتى بلغ الثامنة عشرة في بريطانيا، قام خليل بتأسيس مدرسة لتعليم اللغة العربية وألف كتابا كذلك لتعلم العربية لغير الناطقين بها، وعاد خليل إبراهيم الرواف بعدها إلى القصيم حيث التقى ابنه نواف بعد أكثر من أربعين عاما.
وإني على يقين بأن الكثير من هذا المجد والتاريخ الرائع الذي صنعه هؤلاء الرجال المتميزون يحتاج إلى إعادة دراسة وإلى إحياء في نفوس الناشئة.
فهذه النماذج تستحق أن يعرفها الجيل الحاضر والقادم من أبناء المملكة، فهم أمثلة تحتذى وقدوة فريدة تنتزع الإعجاب وتستحق الاحترام، وما أحوجنا اليوم إلى هذه النماذج التي نستلهم منها حب العمل والحرص على السعي في الحياة والبناء والمشاركة في رفع إنتاجية المجتمع وسمو الوطن إلى ما نصبو أن يكون عليه بين الأمم.
ولا شك أن مملكتنا الحبيبة المترامية الأطراف تزخر في كل مناطقها بنماذج مشرفة ليس على الصعيد المحلي فقط، بل حتى على الصعيد العالمي.
غفر الله لمن انتقل منهم إلى رحمة ربه وحفظ من بقي لهذا الوطن الكريم.
والعقيلات تسمية لتجار انطلقوا طلبا للرزق من بريدة في القصيم نحو الأردن والعراق والشام وفلسطين ومصر، ووصل بعضهم إلى تركيا، وكانت رحلاتهم تمتد إلى العامين والثلاثة أعوام بعيدا عن أهلهم يواجهون خلالها الكثير من التحديات والصعاب، أهمها ندرة الماء ومخاطر قطع الطريق.
ولقد صقلت هذه الرحلات في الظروف القاسية شخصيات هؤلاء الرجال، الأمر الذي جعلهم نخبة مميزة ليس في التجارة فحسب ولكن في أمور الحياة كافة، الثقافية والسياسية والإدارية وحتى العسكرية منها.
والعقيلات لا يمثلون قبيلة بعينها ولكنهم رجال جمعتهم روح المغامرة وحب العمل، يدفعهم الطموح والمثابرة، ويغريهم الترحال عبر الصحراء شوقا إلى تحقيق الذات ورغبة في الارتقاء بالنفس والأبناء نحو فضاء المعرفة والحياة الواسعة والعيش الرغيد.
وكم هو حري بأن تبذل الجهود اليوم لإعادة رواية هذه التجارب الإنسانية النادرة ليس في الكتب وحسب ولكن حبذا كذلك في أفلام وثائقية قبل أن يغيب من بقي ممن عاصرها من الرجال، ولا أظن الأمر قد غاب على شباب القصيم المثقف رغبة في المحافظة على هذا التراث الرائع، وإن كانت هناك بعض الأعمال التوثيقية المتواضعة على اليوتيوب يشكر من قام بها.
في كتابه الذي سررت بالحصول عليه واستمتعت بقراءته خلال إجازة الحج يذكر الكاتب عنوان كتابه الأول (العقيلات) والذي ضمنه تاريخ هذه النخبة التي تستحق الإعجاب والتقدير على مستوى الوطن.
وإذا أردت أن أقتطف فقرة من الكتاب (رحلتي مع العقيلات) أجدني مأسورا بقول الكاتب: «وصلنا إلى باب العمود في القدس وبه يتوقف الأتوبيس، في هذه المحطة نزلنا أمام مكتب للشركة صاحبة الأتوبيس ودخلنا إلى أحد الشوارع التجارية الكبرى وبدأ الوالد يعرفني على معالم المدينة، آخر هذا الشارع يؤدي إلى القدس الجديدة، وهذا باب العمود وهناك بيت المقدس، وكانت الساعة قد جاوزت الواحدة، وأخذ الوالد يسرع الخطى إلى حيث أحد المحلات التجارية، فتوقفنا أمامه وكان مكتوبا عليه (شريف وعلمي٠٠٠ صراف)، ودخلنا المحل وتعانق الوالد مع أحد أصحاب المحل وبادلنا الرجل الآخر بتحية، وفك الوالد حزامه وناوله صاحب المتجر، وأخذ منه عشرة جنيهات، وأمام المحل جاء شخص ثالث أدى التحية وسأله (علمي) إن كان هناك حجرة بالفندق خالية، رحب الرجل وذهبنا معه إلى الفندق وهو مكون من أربعة طوابق، ودخلنا إلى بهو الفندق وأمام الاستعلامات سلمه الوالد ورقة الهوية وأعطانا ورقة مكتوبة أخذتها من الوالد وقرأتها: اسم الفندق (فندق باب العمود)، ودخلنا إلى إحدى الغرف في الطابق الثاني وتوضأنا وتركنا الفندق إلى المسجد الأقصى للزيارة».
هذه صورة من تعامل هؤلاء الناس وحياتهم قبل سبعين عاما يحفظها لنا الكتاب وهي تمثل مرحلة من مراحل الرحلة بعد المسار الطويل على الإبل عبر الصحراء من نجد إلى فلسطين.
والرائع أن هذه النخبة من صفوة رجالات القصيم شاركت على مدى عقود طويلة، بل قرون في إثراء المنطقة العربية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا في العهد العثماني وبداية تأسيس المملكة، واستوطن كثير منهم البلدان التي تعاملوا معها وارتحلوا إليها طلبا للرزق. ويذكر لهم التاريخ مشاركتهم في حفر قناة السويس ومساندتهم لأحمد عرابي في ثورته، وكذلك مشاركتهم في المعارك ضد الفرنسيين في دمشق كما شاركوا في كثير من أحداث العراق،الأمر الذي يجعل ما كتب عن العقيلات يتجاوز بكثير ما هو معروف بأدب الرحلات.
وأذكر أني كنت أستغرب اللهجة المصرية التي تغلب على صديقي فهد الحجيلان الفنان التشكيلي المعروف وهو ابن القصيم ومن سكان جدة الآن، ولكن زال الاستغراب عندما ذكر لي أنه من مواليد بلبيس في مصر، وأن أسرته عادت إلى المملكة بعد حصوله على الثانوية، وقد ذكر كتاب إبراهيم المسلم أن الحجيلان من رجال العقيلات الذين سكنوا بلبيس في مصر.
من أطرف ما وجدت في متابعتي لتاريخ العقيلات في ترحالهم لطلب الرزق أنه لم يتوقف على خروجهم من نجد إلى الشام والعراق أو فلسطين فقط أو الحجاز متعهدين لنقل الحجاج والتجارة ومنه إلى السودان، بل تجاوز بهم طموحهم أن انتقل بعضهم عن طريق البحر إلى العالم الجديد بعد أن تكالبت على بعضهم الديون ومنيت تجارتهم بالخسارة.
ومن القصص الغريبة في هذا أن شارك أحد أبناء العقيلات محمد الرواف في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي (أكتوبر 1893) في معرض شيكاجو الذي أقيم بمناسبة احتفال الولايات المتحدة الأمريكية بمرور 400 عام على اكتشاف كولومبوس للقارة الأمريكية! وقد شاركت في ذلك الدولة العثمانية واختارته لخبرته مشرفا على جناح الخيل والإبل في المعرض.
ومن الشخصيات التي انتقلت إلى القارة الأمريكية من أبناء العقيلات علي العساف، يرحمه الله، الذي وصل الأرجنتين (1898 ميلادي) طلبا للرزق ورغبة في سداد ديونه، وقد واجه صعوبة في بداية حياته بسبب عدم معرفته للغة، وقد يسر الله له تاجرا لبنانيا نصحه بتجارة المكسرات، فكان يدور في بداية عمله بعربة متنقلا بين الأحياء (وأظن ذلك) في بوينس آيرس حتى تمكن من تأسيس متجر صغير لتجارته في الملابس والعطارة، وقد أقام نحو 17 سنة وعاد بعدها إلى مصر وقد سدد ديونه ثم إلى القصيم حيث فك الرهن عن مزرعة والده وتوفي يرحمه الله في (1920 ميلادي). ومما يذكر عنه تشجيعه أبناء البادية في طلب العلم، فكان يدفع ريالا من فضة في الشهر لكل طالب علم يترك الرعي للدراسة.
ويعتبر عبدالله الخليفة الشخص الثالث الذي دفعته ظروف الحياة والتجارة إلى الترحال بعيدا حتى مدينة نيويورك في أمريكا، فبعد أن خسرت تجارته عرض عليه بعض تجار الشام الذين التقى بهم في الإسكندرية مرافقتهم للعناية بالخيول التي حملتها سفينتهم من الإسكندرية إلى شواطئ نيويورك عن طريق إسبانيا، كان ذلك في عام (1912 ميلادي) حيث أقام في نيويورك حوالي ثماني سنوات عمل في بدايتها أجيرا في الميناء ثم في تجارة الملابس والعطارة، كان له نشاط إسلامي في الدعوة مع بعض المقيمين من العرب والمسلمين، وكان نموذجا مميزا لرجال العقيلات الذين عرفوا بالأمانة في التجارة والصدق في التعامل، وقد عاد عبدالله الخليفة إلى القصيم عن طريق مصر بعد أن سدد ديونه واستمر في مزاولة تجارته.
والشخصية الرابعة التي استوقفتني كثيرا وأنا أتابع تاريخ هذه النخبة من أبناء ورجال القصيم هو خليل إبراهيم الرواف الذي خرج في بداية شبابه مرافقا لقافلة العقيلات إلى الشام والعراق حيث التقى بسيدة أمريكية نصحته بالسفر إلى أمريكا حيث تزوجا وأنجبا، وأقام، حيث شارك في التمثيل في فيلم من أفلام هوليوود (عملت مراسلا حربيا) كان ذلك في 1937م قبل وصول الممثل الكبير عمر الشريف إلى هوليوود بأربعة عقود يرحمهما الله.
وكانت حياة خليل إبراهيم الرواف أشبه بفيلم سينمائي وقصة درامية بامتياز كذلك، حيث انفصل عن زوجته التي أخذت ابنها نواف منه وتركته، وقد تزوجت من أحمد زكي أبوشادي رائد الحداثة الذي تبنى ابنه وغير اسمه إلى كلايف أبوشادي، وبعد وفاته انتقلت الأم مع زوجها الأخير البريطاني وأقام نواف (كلايف) حتى بلغ الثامنة عشرة في بريطانيا، قام خليل بتأسيس مدرسة لتعليم اللغة العربية وألف كتابا كذلك لتعلم العربية لغير الناطقين بها، وعاد خليل إبراهيم الرواف بعدها إلى القصيم حيث التقى ابنه نواف بعد أكثر من أربعين عاما.
وإني على يقين بأن الكثير من هذا المجد والتاريخ الرائع الذي صنعه هؤلاء الرجال المتميزون يحتاج إلى إعادة دراسة وإلى إحياء في نفوس الناشئة.
فهذه النماذج تستحق أن يعرفها الجيل الحاضر والقادم من أبناء المملكة، فهم أمثلة تحتذى وقدوة فريدة تنتزع الإعجاب وتستحق الاحترام، وما أحوجنا اليوم إلى هذه النماذج التي نستلهم منها حب العمل والحرص على السعي في الحياة والبناء والمشاركة في رفع إنتاجية المجتمع وسمو الوطن إلى ما نصبو أن يكون عليه بين الأمم.
ولا شك أن مملكتنا الحبيبة المترامية الأطراف تزخر في كل مناطقها بنماذج مشرفة ليس على الصعيد المحلي فقط، بل حتى على الصعيد العالمي.
غفر الله لمن انتقل منهم إلى رحمة ربه وحفظ من بقي لهذا الوطن الكريم.