محمد العوفي

التقشف الاقتصادي والتنمية والمواطن

الخميس - 29 سبتمبر 2016

Thu - 29 Sep 2016

القرارات الاقتصادية التي وافق عليها مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي في مجملها تصب في ضبط الإنفاق العام، وخفض العجز في الموازنة العامة، وكان من المتوقع جدا أن تتخذ الحكومة مثل هذه الإجراءات في ظل تراجع أسعار النفط الخام لما يقارب العامين والنصف منذ منتصف 2014. وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها الحكومة مثل هذه الإجراءات، بل سبق أن اتخذت بعضا منها في الثمانينات من القرن الماضي وللسبب ذاته، والسيناريو نفسه يتكرر بعد نحو ثلاثين عاما مع بعض الاختلافات والتغييرات، خصوصا فيما يتعلق بتخفيض رواتب الوزراء بنحو 20%، وإلغاء بعض البدلات الحكومية.



وتخفيض رواتب بعض موظفي الدولة كالوزراء، وإلغاء بعض البدلات يمكن اعتبارهما المرحلة الثانية من إجراءات التقشف الاقتصادي التي بدأت الحكومة تنتهجها بعد إلغاء الدعم عن بعض السلع والخدمات، وزيادة رسوم بعض الخدمات الحكومية في المرحلتين. كلتا المرحلتين تهدف لتخفيض الإنفاق العام في بندي الرواتب، ودعم السلع الأساسية، وزيادة الإيرادات الحكومية وتنويعها.



القرارات الأخيرة أوضحت لموظفي القطاع الحكومي أنه لا استثناء في إجراءات التقشف وخفض البدلات، فهي طالت الوزير والموظف الكبير والصغير، كما أنها مررت رسالة ضمنية أن القطاع الخاص مستقبلا قد يكون أكثر جاذبية من القطاع الحكومي، ولا سيما أن هناك توجها لربط العلاوة السنوية بتقييم الأداء كحال القطاع الخاص.



خطة التقشف التي اعتمدتها الحكومة لترشيد الإنفاق العام لا خلاف عليها، وضرورة لا بد منها لتجاوز تحديات المرحلة الحالية، وللحد من تفاقم العجز في الموازنة، وللمحافظة على الاحتياطيات المالية من الاستنزاف، لأنها تعتبر صمام الأمان للاقتصاد بشكل عام، ولسعر الريال بشكل خاص، وفي الوقت نفسه أوصلت رسالة صريحة مفادها أن النفط لم يعد الابن البار لاقتصاد نحو 30 مليون نسمة، وأن رؤية السعودية 2030 هي السبيل الوحيد لبناء اقتصاد قوي لا يخضع لتقلبات أسعار النفط الخام، وأن بقاء الاقتصاد في قبضة أسعار النفط قد يفضي إلى مزيد من التقشف المستقبلي.



بالتأكيد، خطة التقشف الحالية مرحلة موقتة سيتم تجاوزها مستقبلا كسابقتها، إذا تم تصحيح أخطاء الماضي وبناء اقتصاد قوي لا يعتمد على النفط بشكل أساسي، وكي لا تتأثر التنمية بشكل كبير ويتم بناء اقتصاد متين، فإنه من المفترض إعادة تصحيح كثير من الاختلالات الإدارية والاقتصادية والتنظيمية للحد من التأثير السلبي لهذه المرحلة، ويكون ذلك من خلال:



أولا: إعادة النظر في آلية الميزانية العامة للدولة، وتحويلها من ميزانية بنود إلى ميزانية برامج تنموية.



ثانيا: التوسع في تنفيذ المشاريع الحكومية بنظام البناء والتشغيل والتحويل، أو البناء والتشغيل ونقل الملكية (Build Operate Transfer) (B.O.T) لتمويل مشروعات البنية الأساسية بعيدا عن ميزانية الدولة، كي لا

تتوقف مشاريع البنية التحتية والتنمية الاقتصادية جراء خطة التقشف الحالية.



ثالثا: إيقاف الهدر في المال العام، والذي يأخذ صورا شتى وأشكالا متعددة كالمخصصات والمنح والهبات، وتحسين الأوضاع وغيرها، التي تستأثر بها قلة من المجتمع على حساب الأكثرية.



رابعا: توسيع صلاحيات أجهزة مكافحة الفساد وتقوية نفوذها في المرحلة القادمة، إضافة إلى الإسراع في تطبيق إقرارات الذمة المالية، وسن وتشريع قانون المساءلة المالية «من أين لك هذا؟».



وفيما يتعلق بالمواطنين فإن من الأولى أن تقوم مؤسسة النقد «ساما» بمطالبة البنوك بإعادة جدولة القروض الشخصية بدون إضافة أي فوائد جديدة، وتخفيض الاستقطاع الشهري من رواتب موظفي الدولة بما لا يتجاوز الحد الأعلى للأقساط 33% من الراتب بالنسبة للتمويل الشخصي، فيما لا يتجاوز الاستقطاع من الراتب الشهري 60% بالنسبة للتمويل العقاري، لأن معظم البنوك منحت القروض الشخصية بناء على إجمالي الرواتب مع البدلات. ومع إلغاء البدلات فإن نسبة الاستقطاع الشهري حتما ستتجاوز السقف الأعلى للاستقطاع، كما يجب أن يكون دور وزارات التجارة والاستثمار، والبلديات، والصحة مضاعفا في متابعة وضبط الأسعار ومقارنتها بالأسعار عالميا للحد من غلاء الأسعار والتأثيرات السلبية على معيشة المواطن.



[email protected]