أحمد الهلالي

يميل مع النعماء حيث تميل!

الثلاثاء - 27 سبتمبر 2016

Tue - 27 Sep 2016

النقد محك حقيقي للذات، أول عتباته (نقد الذات) في التعاملات والسلوك والإبداع وكافة شؤون الحياة، حتى يصل الإنسان لتقييم موضوعي، وحتما سيصل إليه حين يراجع ذاته بموضوعية، متجاهلا كافة التبريرات التي تضج بها النفس، دفاعا عن أخطائها، وهذا النوع على أهميته (قليل فاعلوه)، وكل ذات تتخذه منهاج حياة ستحقق ـ بمشيئة الله ـ التميز.



ثم تأتي العتبة الثانية (نقد الآخر)، وهي عقبة كؤود، تتداخل فيها قضايا كثيرة، ولا يتصدى لها إلا (عليم)، كون النقد يعتمد أساسا على خلفيات ثقافية ومعرفية كبيرة، وتجارب واسعة في الحياة والإبداع، فنقد السلوك مثلا يختلف من مجتمع إلى آخر، ومن ثقافة إلى ثقافة، وربما يجرم سلوك في مجتمع، وهو اعتيادي في مجتمع مجاور متماس، ولعل بعض السلوكيات تقبل من فئة عمرية أو اجتماعية، ولا تقبل من فئة أخرى داخل المجتمع الواحد، ثم تظهر مؤشرات (قراءات النوايا) التي تفرض على (الناقد) خلو نقده من تحقق أي منفعة آنية أو مستقبلية لشخصه أو لفئته، حتى يكون نقده موضوعيا، بعيدا كل البعد عن النفعية.



ومن أنواع نقد الآخر النقد (الإبداعي)، الذي يتعلق بنقد الإبداع بصفة عامة، سواء أكان نقدا للمكتوب أم المشاهد، وهذا باب واسع جدا، ومعقد إلى درجات يحار فيها اللبيب ويعجب، فقد صار النقد صنعة وباب ارتزاق، يحج إليه الكثيرون ركبانا ورجالا، ولا بأس بالركبان، فربما لديهم أدواتهم التي تعينهم على كسب قوتهم، ولا أعني الدراسة فقط، بل الناقد الحقيقي هو (المبدع الذي يجيد ذات الفن)، لكن القضية في الرجال، جمع (راجل) يأخذ النقد بفكرة (الشريطي)، فمنفعته تفرض عليه تلميع (السكراب)، وتفرض عليه أحيانا (الغض) من (الشموس)، لسان حاله كقول أبي فراس الحمداني:



أقلب طرفي لا أرى غير صاحب

يميل مع النعماء حيث تميل



دعتني إلى كتابة هذه المقالة تأملات عدة، فالنقد العام يتجه لكل شيء سواء أكان (المنقود) مخطئا أم مصيبا، لكن (النقد الذاتي) غائب عن المشهد خلف دعاوى (المثالية) التي تكرسها وسائل التواصل الافتراضية، وازدواجية الذوات اليوم، ثم دعتني مواقف بعض الأدعياء (المسترزقين) سواء أكان استرزاقهم ماديا، أم كان معنويا لاقتباس ضياء المبدع، فمن مشاهداتي وأحاديثي مع الكثيرين، رأيت (رياح المودة) تبث ثناءهم على الكثير من الأعمال، لكن (ريح العداوة والنفور) تسارع بانقلابهم إلى سبيل (هدم) ما بنوه في ساعة الصفاء، فأي موضوعية سيتوخاها هؤلاء؟ وأي تفاح يصير حنظلا؟!



نحتاج اليوم (النقد الموضوعي) الحقيقي، في حياتنا الاجتماعية والسلوكية والتنموية، وكذلك الثقافية والإبداعية، لكننا في ذات الوقت لا نرحب بناقد لم يتوقف عند العتبة الأولى (نقد الذات)، فمن يتجاوز نقد ذاته منه أو من غيره، ولم يراع موضوعيته فيها، لن يكون موضوعيا في (نقده للآخر).



أما على المستوى الإبداعي، فالناقد الحقيقي لا يمكن أن يكون حقيقا إلا إن مارس الإبداع الحقيقي وخرج من رحمه، وما عدا ذلك فليختر تسمية أخرى لا يتجاوز سقفها (متذوق)، فقد مللنا قراءة الاجترار المحشو (بقال رولان وقالت كريستيفا)، وسئمنا استحضار النموذج الغربي حول إبداعاتنا العربية، ولا مثلبة في ذلك إلا أنه إعلان (إفلاس) النقاد وعجزهم عن بناء نظرية نقدية عربية، فتطفلوا على موائد المبدعين بملاعق الآخرين.



[email protected]