هبة قاضي

كم إلها نعبد؟

دبس الرمان
دبس الرمان

الثلاثاء - 27 سبتمبر 2016

Tue - 27 Sep 2016

كعادتها طلبت سيارة لإيصالها من تطبيق الجوال لإحدى الشركات المعروفة. وصل السائق كالعادة وركبت معه وهي تفكر كم أصبحت الحياة أسهل حين توفرت هذه الخدمة في مدينتهم، وهم الذين كانوا يعانون دائما من المشاكل في البيت بسبب الازدحام على السائق أحيانا، وبسبب إضرابه أو اختفائه فجأة مرات أخرى، مسببا جميع أنواع الأزمات.



استرخت قليلا وراح عقلها يفكر في أحدث النظريات التي تعلمتها عن حل المشاكل والتأقلم وكيفية تطبيقها لتحسين حياتها. انتبهت من استغراقها على صوت السائق وهو يقول لها «معاك هويتك؟» ردت مستغربة «أيوه»، قال بصوت خائف «في تفتيش وإزا سألوني مين هادي حاقلهم إنك صاحبة أختي لأنو الأسبوع اللي راح مسكو سواق من الشركة وهو بيوصل عميلة وأخدوهم وحققوا معاهم»، من هول الصدمة لم تستطع الرد مباشرة، فتلك القفزة الفكرية من قمة التحسين والتطوير إلى قاع احتمالية التعرض لموقف شبهة أخلاقية لمجرد استخدام وسيلة مواصلات متاحة، كانت أكبر من قدرتها على الاستيعاب المنطقي لمجريات الحياة الطبيعية.



طلب منه كدكتور أكاديمي متخصص في مجال التطبيقات والحاسب الآلي الإشراف على رسالة ماجستير لإحدى الطالبات. ورغم الأعوام التي قضاها في بيئات تفاعلية ومعامل عملية تعمل فيها العقول الرجالية والنسائية جنبا إلى جنب، حيث تينع الفرضيات، ويتطور الفكر، وتخرج أحدث البحوث لتغير العالم وتقفز بالبشرية خطوات للأمام، إلا أنه قد بدأ يتأقلم على نظام الدائرة التلفزيونية المغلقة التي تستخدم للتواصل ما بين الأستاذ وما بين الطالبات، حفظا لهن من التعرض لذكر ولو كان من المفترض أنه مؤهل العقل والخلق، أو ربما حفظا له من الغواية والفتنة، ولو كان من المفترض أنهن مؤمنات، متغطيات، إلا أن تحدي الإشراف على رسالة ماجستير عن بعد في تخصص عملي وتطبيقي كان فوق احتماله «أيوه طلعي الماوس فوق وروحي ليمين الشاشة، ها رحتي؟ ما طلعت الشاشة، طيب يمكن ما ضغطتي... إلخ».



وحين وجد نفسه يستنزف الوقت والجهد في بدائيات البحث بسبب سوء التواصل، قرر أن يتحدث مع زوجها ليدعوه وزوجته إلى بيته ليستطيع الإشراف على مشروعها بطريقة حقيقية، عملية، والأهم بطريقة احترافية منطقية تحترم إنسانيتهما وعقليهما.



ببساطة شديدة إن ما يفعله الموقف الأول هو إجهاض لسلاسة الحياة بإغراقنا في صغائرها ورفعها لمصاف الأولويات، فلا يعود هناك مكان لراحة بال. وما يفعله الموقف الثاني هو الانحدار بنا من فكر البناء والسعي والابتكار إلى فكر «كلكم نعاج وكلهم ذئاب»، ثم ماذا نتوقع غير الثغاء والعواء؟ وفي النهاية الناس عبيد مشاكلهم، فانظروا ماذا نعبد!



[email protected]