شاهر النهاري

الأنساب والنسابة

الاثنين - 26 سبتمبر 2016

Mon - 26 Sep 2016

يحكي لي أحد النسابة المعتمدين من قبل الحكومة السعودية عن مدى الصعوبات التي تواجه من يقومون على مسؤولية وأمانة تدوين الأنساب، والتأكيد على صحتها وكيف أن كثيرا من الناس لا يمتلكون النسب الموثق مما يجعلهم يعملون بكل قدراتهم للحصول على أي ورقة رسمية تثبت نسبهم إلى قبيلة أو أسرة معينة، ويدفعون لذلك أغلى الأثمان التي قد يسيل لها لعاب كل الصعوبات عند من لا يخاف الله ولا يراعي الحق والأمانة في ذلك.



والنسب الثابت تاريخيا، والمستمر حاضرا ومستقبلا يتحقق من خلال توفر أحد ثلاثة أحوال:



1. نسب العلماء المتسلسلين ممن كانوا يدونون أنسابهم منذ أقدم العصور ولهم في ذلك كتب معترف بها، فيسهل التعرف على أن هذا العالم ابن لذلك العالم، وحفيد لذلك الذي كان في زمانه عالم وكتب عدة كتب موثقة، وكان والد جدهم هو من حفزهم ووضع لهم علامات على طريق المعرفة استقاها من أجداده المتسلسلين ممن لا يمكن إنكار تقاطر سلسلتهم العلمية، والتي تثبت لهم تسلسل النسب.



2. نسب الأسر الحاكمة المتسلسلة المعروفة الواضحة، فيكون نسبهم جيلا بعد جيل، ويكون تاريخهم وتفرع ذرياتهم، ومناصبهم ومناقبهم وعيوبهم وأخبارهم مدونة من قبل باحثين عاصروهم، ومما لا يدع مجالا للشك في حقيقة نسبهم.



3. وجود ما يسمى بالوقف في الذرية، وهذا نظام مالي هام يدفع كل فرد في الأسرة منذ أقدم الأزمنة للمحافظة على تسجيل ذريته فردا فردا في صكوك وقف الإرث المستحق، تحسبا وخوفا من أن يتم نكرانهم عند حاجة؛ فيكونون مشمولين ضمن الرقع والصكوك القديمة بكل تفاصيل وجودهم، من اسم الأب والأم، ومن وقت الولادة والوفاة، ومن تعداد الذرية، وجميع معلوماتهم، وهنا لا يمكن إدخال دخيل على نسبهم، أو إبعاد وارث مستحق منهم.



ومن لا يتحقق له شيء من هذه العوامل، فلا شك أنه يعاني كثيرا، خصوصا في إثبات تسلسل النسب في المراحل القديمة، والتي قد يكون الزمن الأغبر فيها سببا لنقص معلومات التدوين، وكثيرا ما يحدث بين أجيالهم القديمة ما يدعو لقطع فرع من شجرة الأسرة بسبب الخلافات والهجرة عن مكان النشأة، أو الفناء الكامل لفرع معين، أو للاختلاط بالأنساب الأخرى والتي قد يكون بعضها غير مرضي عنه بالنسبة للأسرة الأولى، أو لأي سبب من الأسباب الجبرية كالحروب، التي قد تفقد التسلسل ثقته في تماسك الشجرة، ويشكك في قيمته.



وفي حديثي مع النسابة عرفت حجم المعضلة في أن يأتي من لا تسلسل طبيعي له، بطلب أن يشتري التسلسل.



وقد عرفت أن ذلك قد يحدث من قبل بعض مزوري الأنساب، فيأتيهم الغني، بمبالغ يصعب عليهم رفضها، وبالتالي حصوله على أعرق الأنساب، ولو على طرف ورقة.



وقد يكون من المناسب هنا التذكير بقصة الزعيم القذافي أثناء حياته، وأثناء جنون عظمته، والتي نشرت قصتها بالكامل على صفحات العربية نت في الخامس من يونيو 2007، مؤكدة حدوث احتدام جدلي ساخن في مصر والأزهر حول واقعة حصول الزعيم الليبي معمر القذافي على شهادة نسب للأشراف - الذين تعود أصولهم لسلالة الرسول صلى الله عليه وسلم-، مطبوعة على أوراق النقابة، وأن الأمين العام للمجلس الأعلى لرعاية آل البيت، قد أكد حصول القذافي على تلك الشهادة، وإن لم تكن حقيقية حسب ما أفاد، وأنه لم يقم بتوقيعها، ولكن الحادثة تثبت أن القذافي دفع للمعنيين ملايين الدولارات سعيا منه للحصول عليها، ووعوده بأنه سيقوم بموجبها برعاية كيان عالمي للأشراف وعقد مؤتمرات لهم!.



[email protected]